تحليل مسرحيه اوديب ملكا 

تحليل مسرحيه اوديب ملكا ل سوفوكليس  (لقسم علوم المسرح) ..دراسه تحليليه..

-------------------------------------------------------------------------------------------------

تحليل مسرحية أوديب ملكاً لسوفوكليس

كل ما تريده من تحليل ستجده لطلاب قسم علوم المسرح الباحثين عن التحليلات :

مقدمة :-
لقد أعتبرت مأساة ( أوديب ملكاً ) منذ عهد أرسطو ، نموذجا للمأساة اليونانية ، ولا شك في أنها أروع ما نظم سوفوكليس ، فأشعارها سهلة متدفقة ، تفيض بالعواطف المتأججة ؛ أما الحوارفيفوق كل وصف من الناحية اللغوية هذا بجانب ارتباط الحوادث ارتباطاً قوياً متينا .إن شخصية أوديب لسوفوكليس ليست مجرد عمل فني كبير لشاعر عظيم ، وليست كذلك شخصية كلاسيكية تمثل العصر الذي نشأت فيه فحسب ، بل إن أوديب هو إلي جانب ذلك واحداً من سلسلة طويلة من أبطال التراجيديات الذين يعتبرون جميعاً رموزاً لطموح الانسان ويأسه . وتصويراً لموقف الانسان الحقيقي .، ومكانه في هذا العالم .
وقبل الشروع في تحليل مسرحية أوديب ملكاً أري أنه من المفضل التعريف بالشاعر العظيم سوفوكليس وبأهم أعماله وأهم مسرحياته كذلك عرض أسطورة أوديب كمدخل لفهم المسرحية.
ملخص المسرحيه :
تدور حول :
أسطورة أوديب أسطورة قديمة تحدثت بها الأوديسا وتتلخص في أن ملكاً لطيبة يدعي لايوس كان قد طرد من مملكته الي مملكة أخري ، حيث أكرمه ملكها ، لكن لايوس لم يحفظ هذا الجميل وإختطف إبنه فيما تقول الاسطورة ، واستطاع لايوس أن أن يستعيد ملكه وأن يتزوج أميرة هي جوكاستا ولكن الألهة لم تغفر له هذا الجرم وصممت علي إنزال العقاب به ، فحذره أبوللو من أن اللعنة ستحل به وأن إبنه من جوكاستا سوف يقتله ويتزوج أمه ، وعندما رزق لايوس بإبنه أحس بالخطر المحدق به فصمم علي التخلص منه وثقب قدميه وعهد به الي راع وامره أن يلقي به علي جبل كيثارون فتأكله الوحوش وبذلك يتاح له التغلب علي ما دبرته الالهة له من عقاب ، وكانت الألهة بالطبع علي علم بما بما يدب لايوس فتدخلت للمحافظة علي حياة الطفل وتم لها ما ارادت اذ تركه الراعي علي قمة جبل كيثارون بعد ان قيده من قدميه وعلقه علي شجرة ويحدث لهذا السبب أن ينقذ الطفل من الموت راع اخر من مدينة أخري ويحمله الي ملك وملكته اللذين لم ينجبا أطفالا فيتخذاه ولدا وكان هذا الملك هو بوليب ملك كورنثة وقد أطلق علي الطفل أوديب وهي كلمة يونانية قديمة تعني متورم القدمين ويكبرالطفل وينادي الملك أباه والملكة أمه دون أن يدري شيئاً عن حقيقة أصله ويستمر علي هذا النحو الي أن يحدث في يوم من الايام أن يعيره أحد أصدقائه وهو سكران بأنه ليس إبناً للملك وإنما هو لقيط عثر عليه أحد الرعاة فيذهب اوديب من فوره الي معبد أبولو ليعرف حقيقة نسبه فتخبره الاللهة بأنه شخص منحوس كتب عليه أن يقتل أباه ويتزوج أمه ويجلب البؤس لمدينته ولم تجبه الالهة بشئ عن سؤاله الاصلي ويظن اوديب أن المقصود بأبيه وامه هذان الشخصان اللذان يعيش معهما فيهرب من هذه المدينة حتي ينجو من هذا المصير وبينما هو في طريقه تقبل نحوه عربة يركبها سيد كبير السن ويحيط بها بعض الخدم ويسيس أمامه من يفسح الطريق للعربة ويتصادف أن يطلب هذا الرجل من أوديب أن يفسح الطريق للعربة واشتبك معه أوديب في معركة انتهت بأن قضي ألأوديب علي الركب أجمعة الا واحد فر مذعوراً الي مدينته حاملا خبرموت ملكهم وتشاء الالهة أن يكون راكب العربة هو لايوس ملك طيبة ووالد اوديب الاصلي وينسي اوديب كل شئ وعندما يصل في سيره الي طيبة يجد الناس في فزع وخوف فهناك حيوان غريب يشبه أبا الهول : له رأس إمرأة ضخمة ،وجسم أسد ، يجلس علي صخرة خارج المدينة يعترض الناس ويلقي علي كل منهم لغزاً ، من استطاع الاجابة عليه تركه يدخل المدينة في سلام ومن عجز عن حله قتله ، وقد عاش أهل طيبة في فزع وخوف فترة من الزمن وتشاء الاللهة أن يلقي أوديب هذا الوحش الذي يلقي عليه السؤال نفسه الذي إعتاد أن يلقيه علي غيره من الناس : ما هو الحيوان الذي يسير في الصباح علي أربع ، وفي الظهر علي اثنين وفي المساء علي ثلاث ، وأجاب أوديب أنه الانسان عندما يولد يحبو علي يديه ورجليه فإذا ما كبر اشتد عوده مشي علي رجليه ، حتي إذا شاخ وضعف إحتاج إلي أن يستعين بعصا علي السير وكانأوديب أول من فطن إلي هذه الاجابه الصحيحة مما حدا بالوحش الذي بلغ من الغيظ أن يلقي بنفسه من الصخرة فيموت .
هنا يتسلم أوديب الدجائزة التي وضعها كريون سابقاً بأن من يقتل الوحش سيتزوج الملكة جوكاستا ويصبح ملك البلاد ويعيش أوديب مع الملكة دون ان يعلم أنها أمه ودون أن تعرف أنه إبنها وينجبان ( اينوكليس – بولينيكس – انتيجونا – ايسمين ) ولكن هذه السعادة التي شعر بها أوديب وزوجه وشعبه لم تدم طويلاً إذ انتشر الطاعون في البلاد وقضي علي حياة الكثيرين ولم يدخر أوديب وسعاً في سبيل تخليص قومه من هذا الخطر فأوفد كبير الكهنة إلي معبد أبوللو يسأل الالهة الخلاص مما ألم بالمدينة ولكن كبير الكهنة يعود بنبؤة غريبة ، ذلك أن المرض الذي نزل بالمدينة هو عقاب من الالهة حتي يزول الشئ الدنس الذي يعيش وسطهم وهو قاتل المللك لايوس وينشط أوديب في البحث عن القاتنل محاولا بعزم وتصميم أن يعرفه ويعاقبه فتنكشف لعنة الالهة عن المدينة ويعودوا سعداء مرة ثانية فيكتشف أوديب بعد تحقيق لم يطل أنه هو قاتل الملك وأنه تزوج أمه وأن أبناؤه هم إخوته لأمه فإقتص من نفسه وفقأ عينيه بيديه ونفي نفسه خارج البلاد أما جوكاستا فقد قتلت نفسها شنقاً .

من حيث تحليل شخصيات المسرحيه 

-----------------------------------------

• الشخصيات الرئيسية :-

اوديب
• الشخصيات الثانوية:-جوكاستا – تيرسياس – كريون• الشخصيات الهامشية:-الخادم – الراعى –الرسول – ابناء اوديب – الكهنة – الشعب – لايوس
"وفق الابعاد"• الشخصيات الرئيسية:-• اوديبالبعد المادى : فى مرحلة الشباب من عمره ويرتدى ملابس الملكالبعد النفسى : الذكاء –النبل – يؤمن بالنبؤةالبعد الاجتماعى: متزوج من جوكاستا وملك مدينة طيبة
• الشخصيات الثانوية :-• جوكاستاالبعد المادى : ترتدى ملابس الملكات وبعض المشابك الذهبية فى ملابسهاالبعد النفسى : تؤمن بالنبؤةالبعد الاجتماعى: متزوجة من لايوس – اوديب من الاثرياء
• كريونالبعد المادى : فى مرحلة الشباب من عمره يتسم ببعض الطولالبعد النفسى : محب للخير ومحب لوطنهالبعد الاجتماعى: صهر الملك وخاله ى نفس الوقت• تيرسياسالبعد المادى :فى الخمسين من عمره يرتدى ملابس بسيطةالبعد النفسى : حكيم -صبور – متزنالبعد الاجتماعى: محب للناس ومعروف لديهم
• الشخصيات الهامشية:-البعد المادى :يرتدون ملابس بسية لأنهم من عامة الشعبالبعد النفسى : الولاء والطاعة للملوك والامراءالبعد الاجتماعى: من طبقات متوسطةتحديد نوع النصمن حيث القالب :- تراجيدىمن حيث الموضوع:- اجتماعى---------------------------------

-* الحوار او اللغه: من حيث الحوار واللغه  فى مسرحيه اوديب :


الحوار او اللغه ماهو الا نسيج للمسرحيه التى سنضفى عليها قيمتها الادبيه الحوار اداه للتعبير عما تطوى عليه المسرحيه من صور وافكار واحداث وشخصيات حيث جاء حوار مسرحية اوديب ملكا . بسيط وسهل . يستخدم الفاظ متفقه مع الفاظ الشخصيات مثل الكاهن والجوقه وهم من اهل مدينة طيبه والامير كريون والملكه يوكستاـ الحوار يكون بين نمطين هما:(1) حوار شخص مع شخص :يكون بين شخصين كما جاء فى المسرحيه مثل الحوار بين اوديب وكاريون . اوديب ويوكستا . اوديب والكاهن . الرسول ويوكستا . الرسول ورئيس الجوقه(2)ـ ان يكون بين اكثر من شخصين مثل اوديب يتحدث الى اهل مدينة طيبه(3) حوار الشخص مع نفسه:اوديب فى الفصل الثامن المنظر الاول تحدث فى صمت عن الاحداث الذى مر بها طوال حياته وكيف اصبح ملك البلاد ــــــــــ يلجأ المؤلف لهذا الاسلوب عندما يريد ان يكشف عن افكار داخليه او نمو باطنيه متخفيه فى نفس الممثل وهنا يدخل الكاتب فى اعماق الشخصيه واسلوب تفكيرها ونمط حياتها وماهى مقبله عليه فقد يكون الحوار مزيجا بين العاميه والفصحى وقد يكون بالفصحه فقط او العاميه فقط وفى هذه المسرحيه نجد الحوار يسير بسلاسه ويسير الحوارويتلون طبقا لتباين شخصيات المسرحيه.*الحبكه :بداية من حلم لايوس ملك طيبه فى ان يكون له وليا للعهد وعندما ولد رأى مستقبله ان هذا الطفل اذا عاش سوف يقتل اباه ويتزوج من امه وينجب منها اطفال يكونوا له اخوه وابناء فى وقت واحد فقرر والديه ان يقتل هذا الطفل وارسلاه والده الى جبل عالى مع احد الرعاه ليتركه يموت او تأكله الطير او تأكله الوحوش ولكن الراعى سلمه الى راعى ميزه من اصدقائه ثم سلمه الى ملك مدينة كورنيش كان ملكها لاينجب اطفال فأتخذه ولدا له وادع ان زوجته حملته وانه وليا عهده ثم مضت السنوات واصبح اوديب ذو قدمين لهم علامتان وتمضى الايام وتعرف انه ليس ابن الملك كورينش من احد اصدقائه عندما نشب بينهم شجار عنيف 

مسرحية الملك أوديب بين سوفوكليس وتوفيق الحكيم دراسة مقارنة :




مقدمة :
في وقت مبكر من التاريخ الانسانية تفتقت عبقرية شعوبها عن ميثولوجيا (اوديب)لتجسد ذلك الصراع الابدي للانسان الفرد وهو يصارع قدره ساعيا الى تخطيه ولكن يبدو_ وكما تقول الاسطورة _ بلا جدوى .. ومنذ عهد موغل في القدم كتب هذه الاسطورة نصآ ادبيا (مسرحيا) اليونانيون اسنخيلوس ويوربيدس وسوفوكلس والروماني سنيك _ وتحدثت بها الاوديسة في نشيدها الحادي عشر وقد كان لهيرودوت اثره في شيوع هذه الاسطورة القصة واضحى لها حضورها في اساطير الفراعنة والفرس وقد اقام ارسطو عليها اسسه النظرية للتراجيديا في (فن الشعر(في اوربا ايضا ومنذ القرن السادس عشر كتبها مرة اخرى الشاعر كورني وفرليتر وسان جورج وجان كوكتو واندريه جيدا وفي عالمنا العربي ترجمها كل من نجيب حداد وطه حسين وعلي احمد باكثير وفرح انطوان , كذلك توفيق الحكيم قدم مسرحية ( الملك اوديب ) لتضحى هذه الاسطورة_ المسرحية درسا اكاديميا في كل مسارح أكاديميات العالم وتفنن الكتاب في معالجتها بصور جديدة ومغايرات كثيرة تنسجم مع الواقع الانساني المعاصر وهموم الانسان وصراعاته المختلفةتعد مسرحيات سوفوكليس أكمل مصدر لمأساة أوديب، ومن أجمل المسرحيات اليونانية القديمة التي حفظت إلى اليوم (ألفت بعد عام 450ق.م). وقد وصفها أرسطوفي كتابه «الشعر» بأنها أكمل نموذج لمأساة عرفها الإنسان. وتنتمى مسرحية أوديب إلى التراجيديا أو المأساة .
تعريف المأساة (التراجيديا) عند أرسطو:-
لم تختلف التعريفات التى قدمها الشراح والدارسين للمأساة عن التعريف الأول الذى قدمه أرسطو، إذ أن كل التعريفات قد ركزت فى تعريف المأساة "التراجيديا" على أنها محاكاة للافعال النبيلة وفى أسلوب يتسم بالجدية والكمال والعظمة، يعتمد هذا الفعل على لغة ويكون لهذا الفعل طول معلوم، ويكون له وحدة عضوية عن طريق الأشخاص الفاعلين تتضح عاطفتا الخوف والشفقة اللتان تؤديان إلى التطهير.
وعليه فإن المأساة- التى تعنى أيضاً التراجيديا- إنما جاءت من الفعل اليونانىDRa w أى To do أى يفعل، ولا فعل يعنى التعبير الحركى واللفظى عن حدث ما وبالتالى لا تعنى دراما القراءة دون التمثيل. ونظراً لأن المأساة تعنى الفعل الإنسانى فهى تعنى أيضاً الفعل الإنسانى الجماعى وليس الفردى وبالتالى يتضمن المشهد الأدائى الجماعى عدداً من العناصر تشكل معاً أجزاء المأساة وهى الخرافة ويقصد بها تركيب الأفعال (أى الحبكة) والأخلاق ويقصد بها الشخصية المسرحية، والمقولة ويعنى بها التعبير عن الفكرة باستخدام الألفاظ، أما الفكرة ويقصد بها كل ما يقوله الأشخاص (شخصيات المسرحية) لإثبات شىء ما أو للتعبير عن أفكار محددة، والمنظر المسرحى يقصد به ما يشاهده الجمهور على خشبة المسرح ويعتمد على حرفية المخرج ومصمم المناظر وكذا توظيف باقى العناصر ومعهم بطبيعة الحال الممثل .
إن المأساة تختلف بطبيعة الحال عن الملهاة. ورغم ذلك الاختلاف فإن المتعة التى أحدثتها المأساة فى زمن الأغريق لم تقل عن الملهاة هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإنها تحدث عنصراً من المتعة يساهم فى إجتذاب اهتمام المشاهدين وإدخال السرور إلى نفوسهم رغم طابعها المأساوى وهو ما عبر عنه الدارسين والعلماء. إن المأساة اليونانية بعناصرها الفنية وشروطها التى اشترطها الاغريق من ضرورة أن يعود المؤلف المسرحى إلى قصص التاريخ أو الأساطير، وأن يركز من خلالها على النقاطوالعناصر المفجعة، هذا إلى جانب أن كتابها لابد وأن يلتزموا الوحدات الثلاث أى الموضوع، والزمان، والمكان .
وقد طرق كتاب كثيرون موضوع مأساة أوديب من نواح عدة، فعالجه أوربيدسEuripides في إحدى مسرحياته، وكذلك سينيكاSeneca، كما عولج في مسرحياتٍ لكورني (1656) Corneille، ودرايدن (1679) Dryden، وفولتير (1718) Voltaire، وهوغو فون هوفمانستال (1906) Hugo Von Hofmannstahl، وأندريه جيد (1931) Andre Gide، وجان كوكتو (1934) Jean Cocteau. ولعل أهم صياغة حديثة للقصة هي مسرحية أندريه جيد التي يركز فيها على الصراع بين «أوديب» الجاحد للآلهة والمعتد بنفسه حتى الغرور والكهنة الذين يريدون بسط سلطان الدين على كل شيء وعلى كل إنسان حتى الملك نفسه. وقد كان للأدباء العرب أيضاً نصيبهم في طرق هذا الموضوع، ولعل أول من عني بقصة أوديب منهم ترجمة ودراسة هو طه حسين الذي ترجم مسرحيتي أندريه جيد: «أوديب» و«ثيسيوس» عام 1946 وقدّم لهما بمقدمة ضافية ماتزال من أحسن ماكتب بالعربية عن الموضوع، ثم اتبعهما ترجمة لمسرحيتي سوفوكليس نشرهما مع «أوديب» جيد في سلسلة مطبوعات «كتابي». وفي عام 1949 ظهرت مسرحيتان عن أوديب كتب إحداهما توفيق الحكيم وثانيتهما علي أحمد باكثير. وبعد ذلك نشر علي سالم «أنت اللي قتلت الوحش» (1970) ونشر وليد إخلاصي مسرحية «أوديب: مأساة عصرية» (1981). وأعاد علي حافظ ترجمة مسرحيتي سوفوكليس، وكتب للترجمة مقدمة جديدة. وكان لويس عوض قد لخّص مسرحية «أوديب ملكاً» في كتابه «المسرح العالمي» (1964). أما الدراسات العربية فتشمل كتاب عز الدين إسماعيل «التفسير النفسي للأدب» (1962)، وكتاب مصطفى عبد الله «أسطورة أوديب في المسرح المعاصر» (1983). وربما كانت دراسة عز الدين إسماعيل أول دراسة تطبيقية أفادت من المنهج الفرويدي وطبقته تطبيقاً ناجحاً على رواية «السراب» لنجيب محفوظ . وقد اهتم العرب أيضاً بالأصول النفسية والتاريخية لقصة أوديب فترجم مصطفى صفوان «تفسير الأحلام لفرويد» (1960)، وترجم جميل سعيد «عقدة أوديب في الأسطورة وعلم النفس» لباتريك ملاهي (1962). وترجم فاروق فريد «أوديب وأخناتون» لايمانويل فيلكوفسكي، وهو كتاب يبين بالأدلة الآثارية التاريخية أن أصول هذه الأسطورة التاريخية تعود إلى التاريخ الفرعوني.
كانت مسرحية «أوديب ملكاً» عماد الجزء الخاص بالمأساة من كتاب «فن الشعر» لأرسطو. وظلت المفهومات الأرسطية عن البطل المأسوي ونقيصته التي تؤدي إلى سقوطه، وعن الحبكة وما يتم فيها من تعرّف وتحول، وعن الأثر المأسوي وما يحدثه من تطهير عن طريق استثارة الخوف والشفقة، ظلت تتردد في فلسفة الفن والفكر الجمالي حتى اليوم. ولكن الفلاسفة، بعد أن تخلوا عنها للنقد الأدبي، أخذوا يبحثون في الناحية الأخلاقية ويسألون عن مدى مسؤولية أوديب عمّا صنع، وفي موضوع الحرية في مقابل الجبرية. فالقصة تتنبأ بمصير أوديب حتى قبل أن يولد. وهذا التنبؤ يمكن أن يقرأ بوصفه سلباً لحرية الإنسان أو بأنه «القدر». وهذه القراءة تؤيد أوديب في أن أبولون هوالمسؤول الحقيقي عن كل ما جرى، وهي قراءة تروق للجبريين. ولكن المؤمنين بحرية الإنسان، أي الذين يحاولون أن يجعلوا من الإنسان كائناً مسؤولاً عن أفعاله لا مجرد ضحية للآلهة اللاهية، كما يقول غلوستر في «الملك لير» لشكسبير، يقولون إن أوديب فعل كل شيء بمحض إرادته، وإن علم الآلهة المسبق بمصيره هو من صفات الآلهة التي يسع علمها كل شيء، وليس العلم بالغيب تسييراً للأحداث، ويمثلون على ذلك بالطبيب الذي يؤهله علمه لأن يتنبأ بأن مريضاً من مرضاه سوف يموت بعد مدة معينة. فالطبيب لايميت المريض مع علمه المسبق بالنتيجة.


سوفوكليس
سوفو كليس (Σοφοκλής باللغةاليونانية) اننا لا نستطيع أن نحدد تاريخ وفاة سوفوكليس على وجه الدقة فبعض المصادر تروى لنا أنه توفى فيما بين عامى 406 و 405 ق.م وقد بلغ من العمر الثانية والتسعين أحد أعظم ثلاثة كتاب تراجيديا إغريقية، مع ايسخسلوس ويوربيديس وقد كتب 123 مسرحية، في المسابقات المسرحية في مهرجان ديونيسيوس ،حيث كل تقدمة من أي كاتب كان يجب أن تتضمن أربع مسرحياتثلاث تراجيديات بالإضافة إلى مسرحية ساخرة). وقد نال الجائزة الأولى (حوالي عشرين مرة) أكثر من أي كاتب آخر، وحصل على المركز الثاني في جميع المسابقات الأخرى. ولد في بلدة كولونوس Kolonosوتوفي في أثينا. كان والده سوفيللوس Sophillosأحد كبار تجار العبيد، ويمتلك ورشة لصناعة الأسلحة والأدوات المعدنية، مما وفر لسوفوكليس تعليماً شاملاً، تضمن أيضاً الموسيقا والرياضة. وإثر انتصار اليونانيين على الفرس في معركة سلاميس Salamisعام 480 ق.م قاد سوفوكليس احتفالات الفتيان بالنصر. شارك في تمثيل عدة أدوار مسرحية في المسابقات السنوية إلى أن اشترك في مسابقة خريف عام 468 بمسرحية من تأليفه وفاز بها أول مرة بالجائزة الأولى على أستاذه إسخيلوس. وذلك برباعية (ثلاثة أجزاء مترابطة ذات موضوع مأساوي وجزء رابع ساخر) يختلف من حيث الأسلوب والبناء عن سابقيه ومعاصريه من الكتاب. انتُخب عام 443ق.م مديراً لبيت مال حلف أثينا البحري. وبعد نجاح عرض مسرحيته«أنتيغونِه» 442ق.م ،عيّنه بركليس مع المؤرخ هيرودوت أعضاء في "مجلس القادة العشرةالمسؤول عن شؤون الدولة العسكرية والسياسية، وشارك في عام 441-440ق.م في الحرب ضد جزيرة ساموس الانفصالية." كما أدخل تجديدات فنية على المسرحيه .. من أهمها :
- رفع عدد الممثلين إلى ثلاثة.
- ابتكر رسم المناظر.
- رفع عدد أفراد الجوقة إلى خمسة عشر بعد أن كان اثنى عشر.
- تخلى عن رباعية ايسخيلوس
توفيق الحكيم :
(9 اكتوبر 1898.- 26 يوليو 1987) ولد بالأسكندرية وتوفى بالقاهرة .يعد توفيق الحكيم احد رواد الرواية العربية والكتابة المسرحية في العصر الحديث فهو من أبرز العلامات في حياتنا الأدبية والفكرية والثقافية في العالم العربي , وقد امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والمبدعين وهو أيضا رائد المسرح الذهني ومؤسس هذا الفن المسرحي الجديد وهو ما جعله يعد واحدا من المؤسسين الحقيقيين لفن الكتابة المسرحية ليس على مستوى الوطن العربي فحسب وإنما أيضا على المستوى العالمي .وتتجلى مقدره الحكيم الفنية في قدرته على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه سواء في ألقصه أو المسرحية بالإضافة إلى تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصيه من شخصياته ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي .
توفيق الحكيم حمل على عاتقه مسألة تثبيت فن المسرحية كفن أدبي معترف به في الأدب العربي و قد نجح بذلك نجاحاً كبيراً و لا شك على الأقل بنظري فقبل الحكيم المسرحية كانت تكتب لتمثل فقط لا لكي تقرأ و يحتف بها بالنقد و التذوق من قبل أرباب الأدب هذه المسرحية حظيت من الحكيم باهتمام بالغ فقد استغرق في كتابة صفحاتها القليلة قرابة الأربع سنوات. و السبب في ذلك كما يقول هو صعوبة محاكاة هذه المسرحية فقد فشل عشرات الكتاب الكبار قبله في الرواية و تضمين معانيهم الخاصة بها دون الإخلال بقيمة العمل الفنية. وصف الحكيم بأنه مؤسس المسرح المصري العاصر، وقد أتسمت لغة أعماله المسرحية باليسر و المرونة، و حرص على أن يبرز فيها روح اللهجة العامية المصرية وبعض تركيباتها. خلال دراسته الحرة في باريس (1924-1928)، انشغل توفيق الحكيم بالتعرف على خصوصيات ثقافته العربية المصرية. سمي تياره المسرحي بالمسرح الذهنى لصعوبة تجسيدها في عمل مسرحي وكان توفيق الحكيم يدرك ذلك جيدا حيث قال في إحدى اللقاءات الصحفية :"إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غيرالمطبعة. كان الحكيم أول مؤلف استلهم في أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري وقد استلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونيةأو رومانيةأو قبطيةأو إسلامية لكن بعض النقاداتهموه بأن له ما وصفوه بميول فرعونية وخاصة بعد رواية عودة الروح أرسله والده إلى فرنساليبتعد عن المسرح ويتفرغ لدراسة القانون ولكنه وخلال إقامته في باريس لمدة ثلاث سنوات اطلع على فنونالمسرح الذي كان شُغله الشاغل واكتشف الحكيم حقيقة أن الثقافة المسرحية الأوربية بأكملها أسست على أصول المسرح اليونانى فقام بدراسة المسرح اليونانى القديم كما اطلع على الأساطيروالملاحم اليونانية العظيمة. عندما قرأ توفيق الحكيم إن بعض لاعبي كرة القدم دون العشرين يقبضون ملايين الجنيهات قال عبارته المشهورة: "انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم لقد أخذ هذا اللاعب في سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصرمن أيام اخناتون."
المحاكاة :فن شهير اتبعه كتاب أوربا من قبل حيث يأخذون عملاً إغريقياً قديماً و يحتفظون بهيكله الظاهري مع تضمين أفكارهم الخاصة فيه. ربما كما يفعل الناس مع شكسبير هذه الأيام. ابتدأ الكتاب بمقدمة طويلة كتبها الحكيم هي في الواقع دراسة قيمة و مرجع عظيم شرح فيها نظريته في المسرح و كيف استطاع أن يوصله للعالم العربي عن طريق التزاوج. حيث حمل روح المسرح الوثني القديم تلك الروح الماورائية الخرافية و ضمنها المعاني الإسلامي المقبولة لدى المجتمع فكتب أول ما كتب أهل الكهف,سليمان الحكيم و غيرها.


أوديب سيفوكليس:
بالرغم من أن التقديم الأولى للملك أوديب لا يمكن أن يحدد تاريخة بالتأكيد ، إلا أن معظم المؤرخين يفترضون أن المسرحية قدمت على المسرح فى أثينا عام 427 ق.م .
تدور أحداث المسرحية في مدينة ثيبة. كان الملك "لايوس" ملكا لطيبة وقد تزوج ولم ينجب، فذهب لمعبد دلفى (معبد يونانى يستطلعون منه النبوءات) ليعرف حلا لمشكلته وهى انتشار الطاعون فى مملكته فجاءت إليه العرافة بنبوءة (ونبوءة العرافة مستلقاة من الإله أبوللون)، أنه سينجب ولدا سوف يقتل أباه ويتزوج من أمه، فانزعج لايوس لهذه النبوءة ورحل لمنزله وهجر امرأته حتى لاينجب ثم مرة بفعل كونه مخمورا حملت زوجته فانزعج لخوفه من النبوءة وانتظر حتى تمت ولادتها وأعطى الطفل لحارسه لكى يقتله، ثم ذهب به الحارس إلى الجبل وهو مقيد بالأغلال من قدميه (وهذا يفسر سر تسميته بأوديب التي معناها باليونانية القديمة المصفد بالاغلال أو الأرجل المتورمه) وبدلا من أن يلقيه في الجبل ليموت تركه لراعى قابله في هذا الجبل.ولقد أشفق الراعى على الطفل وأخذه لملك وملكة كورنثة فهما لاينجبان وأعطاهم أياه، وأعتقد لايوس بأنه قد تخلص من أبنه ومن النبوءة. وتربى الطفل مع الملك والملكة وهو معتقد بأنهم أبواه حتى شب وأصبح يافعا، وظل لجرح قدميه علامة من الأصفاد التي سلسل فيها وليدا. وذات يوم كان مع أصحابه فشككوه أنه ليس ابن ملك كورنتس والملكة فانزعج أوديب ورحل هو الآخر لدلفى لاستطلاع الأمر. خرج ليستشير الآلهه، فجاءت اليه النبوءة (ستقتل أباك وتتزوج من أمك)، فبهت أوديب ورحل عن بلده وترك أبواه الملك وأمه الملكة الذين لايعرف غيرهم أبا وأما حتى ينجو من أن يقتل أباه ويتزوج أمه، ورحل إلى طيبة. وفي الطريق إليها نازعته عربة يجرها رجل بداخلها رجل مسن وشبت مشادة بينه وبين الرجل وحراسه في الطريق فما كان إلا أن الرجل في العربة ضربه بالسوط فتعارك معه أوديب وأستطاع أن يقتلهم جميعا، وواصل طريقه إلى طيبة.وقبل دخوله طيبة كانت تسكن الطريق هولة (أبو الهول أنثى أو سفنكس) متوحشة تسأل سؤال غامضا وتقتل من يعجز عن الجواب وتشيع في الأرض الخراب، وعندما أتى سألته نفس السؤال من الذي يمشى في الصباح على أربع وفي الظهر على أثنان وفى المساء على ثلاث؟ وكان جواب أوديب الشهير الإنسان في البداية طفلا يحبو ثم شابا يافعا على قدميه ثم يهرم فيمشى على عصا بجانب قدميه وانهارت الهولة لمعرفته حل اللغز الرهيب، وألقت بنفسها وماتت، وفرح الشعب لرحيلها وتخلصهم منها، وجاء الخبر بموت مليكهم فأخذوا أوديب ونصبوه ملكا عليهم وزوجوه من أرملة الملك السابق.وبعدما تولى أوديب حكم طيبة أنجب منها 4 أولاد ولدين وبنتين، وبعد مضى سنوات من اعتلائه العرش حدث طاعون أصاب الحرث والنسل وامتلأت الأرض بالجثث وسادت الفوضى والدمار فبعث أوديب بكريون أخو زوجته لاستطلاع نبوءة دلفى بخصوص هذا الطاعون فأى وباء ينتج من خطأ يرتكب فى حق الآلهة، وعاد كريون ليبلغ أوديب أن سبب الطاعون وجود قاتل الملك لايوس بالمدينة، فأخذ أوديب يوعد ويتهدد ويصب لعناته على هذا القاتل حتى لو كان يسكن بيته ووعد أهل المدينة باستقصاء خبر قاتل الملك ليضع حدا لهذا الطاعون القاتل، واقترح عليه علية القوم أن يأتوا بعراف أعمى اسمه ترسياس ليكشف لهم من هو قاتل الملك، وبالفعل أتى وأخذ يناقشه أوديب ويسأله ليعرف ولكن العراف يتهرب بلباقة وذكاء ولكنه نصحه ألا يصب لعناته على القاتل فاتهمه أوديب بالجهل وماكان إلا أن قال له أنه أعمى فرد العراف أنه أعمى البصر وليس أعمى البصيرة، وتنبأ له أنه عندما يدرك من أباه ومن أمه سيبصر الحقيقة الغائبة وأخبره أنه قاتل الملك ولأن أوديب دائما يختال بذكائه وثقته بنفسه فما كان عليه إلا أنه تصور أنه يوجد مؤامرة بين العراف وبين كريون أخ زوجته فأمر بحبسهما.
وجاء لأوديب رسول من كورنثة يحمل له خبر مفرحا وآخرا محزنا المحزن موت أبيه والمفرح أنه سيتولى العرش من بعده وبالطبع أوديب يتذكر الأسطورة فخشى أن ينفذ الجزء الآخر منها بعدما اطمئن واهما أنه لم يقتل أباه الوهمى فطمأنته زوجته أن النبوءات تكذب وتخدع، فلقد جاءت لها ولزوجها ملك طيبة نفس النبوءة وتركوا ابنهم يموت في الجبال من نبوءة كاذبة فاستفسر الرسول لماذا يخشى أوديب من العودة لكورنثة فلما أخبره طمأنه بأن الملك والملكة ليسوا أباه وأمه لأنه وبيده أخذه من راعى من مدينة طيبة وأعطاه لهما وليدا لأنهما حرما من الإنجاب، فاستقصى أوديب خبر الراعى رغم تحذيرات زوجته ونصائحها ولكن حبه للمعرفة وللحقيقة جعله يأتي بالرسول، ولقد حاول الأخير ألا يخبره إلا أنه وبعد ضغط أخبره أنه بالفعل أعطى طفلا وليدا ذى قدم متورمة لرجل من كورنثة ولم ينفذ كلام لايوس بأن يقتله واستفسر عن الطريق الذي مات فيه لايوس فكان الطريق نفسه الذى قتل فيه اوديب الرجل
وهنا ظهرت الحقيقة لقد قتل أوديب جاهلا أباه وتزوج من أمه بل وأنجب منها وخرج هائما على وجهه، وذهب لاستطلاع أمر زوجته أو أمه فوجدها انتحرت حيث وجد الحبل ما زال يدور بالجثة الهامدة، فذهب مسرعا ليفك الحبل من أعلى لتسقط الجثة، فأخذ دبوس من فستانها على الأرض، فصار يخلع المشابك الذهبية التي تتخذها الملكه زينه لشعرها ليدفعهم إلى عينه وهو يصيح أنه لن يرى شقاءه وجرائمه ثم يحدث عينه قائلا: "ستظلان في الظلمة فلا تريان من كان يجب ألا ترياه، ولاتعرفان من لاأريد أن أعرف بعد اليوم، حتى لاترى الشمس المقدسة إنسانا دنسا فعل أكثر الجرائم بشاعة"، وفي موقف مؤثر سالت الدماء على لحيته البيضاء وبللت وجهه وهو يلعن سوء حظه وجهله القاتل ونفى نفسه من الأرض حتى ينتهى الوباء، وعاش طريدا من الأرض والسماء.
الحقيقة التي هي نقطة تحول في حياة الشاب أوديبوس الذي قال: "واحسرتاه.. واحسرتاه.. لقد أستبان كل شي.. أيها الضوء لعلي أراك الآن للمره الأخيره.. لقد أصبح الناس جميعا يعلمون.. لقد كان محظورا أن أولد لمن ولدت له.. وأن أحيا مع من أحيا معه..وقد قتلت من لم يكن لي أن أقتله".
بعد هذا المشهد المفجع يطلب أوديب من صديقة كريون أن يعتني ببنتية بعد أن ينفى، كما طلب منه أن توضع الملكه في قبر مناسب وفي الأخير يطلب من صديقة أن يقذفة بعيدا حيث لايراه أحد بعد اليوم.
ومسرحية أوديب إلى حد ما مسرحية عن الحاجة للزعامة وسط الأزمة السياسية . المسرحية عن الجذور أيضا . ففى سعيه وراء الحقيقة يقابل أوديب شخصيات من أماكن عديدة من ماضيه ويكتشف المكان الذى ولد فيه . معتقدا فى البداية أنه ولد فى كورنثة ،يدرك أوديب أنه ولد فى طيبة أن زوجته يوكاستا هى أيضا والدته ، وعندما أدرك افتقاده للبصيرة أو الرؤية الحقيقية ، يفقأ أوديب عينيه ، ويبحث عن منفى خارج طيبة . فى الملك أوديب مثلما فى العديد من التراجيديات الإغريقية يرتبط الناس بصورة مأساوية للمكان ، يكتسب الملك أوديب المعرفة بذاته عن طريق معرفته بمكانه الحقيقى فى أسرته ومدينته وفى العالم الإغريقى .
إن مسرحية الملك أوديب مثل فريد على المسرحية إن لم تكن هى المسرحية الوحيدة التى تمثل هذا الفن (الدراما) فى طبيعته الأساسية .ومرد أهميتها هذه هو من ناحية أن أرسطو بنى عليها تعريفاته ، ومن ناحية آخرى انها ظلت منذ عهد أرسطو تقلد وتعاد كتابتها وتناقش على مر الأجيال.إن سبب شهرة مسرحية الملك أوديب ليس فقط لاعجاب المعلم الأول(أرسطو) بها ،وإنما أيضا لحقيقة أن كثيرا من النقاد يعتبرون سوفوكليس أكثر شعراء التراجيديين تعبيرا عن روح أثينا فى عصرها الذهبى.

أوديب أسطورة ومسرحية:
حينما شرع سوفوكليس فى كتابة مسرحيته كانت بين يديه أسطورة أوديب يبدأ منها "فقد تلقى لايوس وجوكاستا ملك طيبة وملكتها نبوءة تقول أن ابنهما سيشب ليقتل أباه ويتزوج أمه...."
إن سوفوكليس حين وضع الخطة لعقدة المسرحية بدأمن نهاية القصة ،حين حل الوباء بمدينة طيبة التى كان أوديب وجوكاستا يتوليان حكمها بنجاح كبير عددا من السنين ,ويستغرق موضوع المسرحية أقل من يوم واحد ،يدور حول بحث أوديب عن قاتل لايوس :آى استطلاعه نبوءة ابوللو،وسؤاله العراف تيرسياس وعددا من الشهود منتهيا بالراعى العجوز الذى سلم أوديب إلى ملك كورنثه وملكتها .وتنتهى المسرحية عندما ينكشف أمره بما لا يدع مجالا للشك فى أنه هو المذنب.
ولكن قارئ هذه المسرحية عندما ينتهى من قرأتها،سرعان ماتدور فى ذهنه العديد من الأسئلة منها : هل أوديب مذنبا حقا ؟ أم أنه مجرد ضحية للآلهة ، أم لعقدته النفسية الشهيرة ،أم للقدر, أم للخطيئة ؟ .
إن فولتير الذى تابع كورنى فى تصوره كان يراها كأنها فى الأصل صراع بين أوديب القوى الفاضل وبين الآلهة الشريرة ، يعينهم على ذلك تيريسياس الكاهن الفاسد .أما فرويد فقد أخضع المسرحية لتصورات سيكولوجية فتحت أمامنا أفاقا كثيرة ،وهناك كثير من التفسيرات حول أوديب ،بعضها لاهوتى ،وبعضها فلسفى ،وبعضها تاريخى .
قلنا أن الموضوع الذى يبرزه سوفوكليس موضوع تحقيق وتقصى ،وبالأحرى البحث عن قاتل لايوس،وأنه كلما انكشفت طوايا ماضى أوديب بدت لنا حياته برمتها كأنها نوع من البحث عن حقيقة طبيعته ومصيره .
لقد أظهرت مدرسة كمبردج للدراسات الانثربولوجية أن شكل التراجيديا اليونانية يقتفى شكل شعائر موغلة فى القدم ,تلك هى شعائر (الانيانوس- دايمون) Enniautos-Daimon او الاله الموسمى ،وكان هذا الاكتشاف يهيئ لمنافذ جديدة فى أوديب ،فان مفتاح سوفوكليس الذى مسرح به أسطورة أوديب ليكمن فى هذه الشعائر القديمة التى تتخذ نفس الشكل ونفس المعنى بمعنى أنها هى الآخرى تتفتق فى ايقاع تراجيدى.


أوديب توفيق الحكيم :بداية نقر بما أقره توفيق الحكيم نفسه من أن أحدا لم يجادل قط في أن أوديب سوفوكليس بلغت من الكمال الفني أوجا هو مفخرة للذهن البشري، فماحاكاة أعظم مسرحية تراجيدية على مر العصور هي مشكلة صعبة كما لو كنا نريد بعنب جديد أن نصنع منه للتو خمرة معتقة ... هنالك ولا شك سر خفي في تركيب ذلك الخمر القديم يجعل له مذاقا لا يضاهى.والصورة التي يتمثل فيها الصراع هي صورة الصراع بين الخير والشر. وليست المشكلة دائما هي مشكلة الخير والشر المطلقين ففي الحياة صور لا حصر لها لهذين المعنيين المطلقين .فما حدث لأوديب عند سوفوكليس هو مأساة حقيقية لم يكن له ذنب فيها على الإطلاق وكأن الصراع هنا إنما هو بين الحقيقة والدوافع بين ما تقدره الآلهة وبين ما يريده البشر غير أن هذا الصراع مختلف قليلا عند الحكيم حيث اتخذت الحقيقة عنده أكثر من بعد كما سنرى وحيث تحكم في الواقع أكثر من رجل.والنقطة التى يصل اليها كليهما أن الانسان عندما يهرب من قدره ظنا منه انه سيغيره انما هو فى الحقيقة يذهب اليه.
تدور أحداث المسرحية أن" تحكى الأساطير الإغريقيةأن ليوس ملك طيبة نزل ضيفا على الملك بيلوبس ،الذى أكرم ضيافته ،ولكن الضيف رد هذا الجميل بجريمة شنعاء؛إذ اغتصب ابن مضيفه الفتى الجميل خريسيبوس ،وارتكب فيه الفحشاء.وهكذا عاد لايوس إلى طيبة يحمل وزرا ثقيلا ،فنزلت به اللعنة هو أسرته .فلما تزوج يوكاستى جاءته التحذيرات من نبوءة دلفى بأن ابنا له سوف يقتله يوما ما ،ولذلك عندما ولد له أوديبألقى به فى العراء وعلقه فوق الأشجار على جبل كيثايرون لكى يموت ،ولكن أحد الرعاة التقطه وسلمه حيا إلى ملك كورنثة العقيم بوليبوس وزوجته العاقر ميروبى ،اللذان تعهداه بالرعاية وربياه على انه ابنهما.فلما شب أوديب وعايره بعض أقرانه بأنه ليس ابنا حقيقيا للملك الكورنثى ،ذهب إلى دلفى ليتحقق من النبوءة طالبا معرفة أبويه الحقيقيين .ولم تخبره الكاهنة بشئ ولكنها حذرته من أنه سوف يقتل أباه وسيتزوج أمه .ولم يرجع أوديب إلى كورنثة قط ،فهناك ترك من يظن أنهما أبواه.وأثناء عودته من دلفى وعند مفترق طرق ثلاث قابل رجلا مسنا يركب عربة ويحوطه حراس،زاحموه المكان فاشتبك معهم فى معركة انتهت بسقوط الرجل المسن صريعا .وعندما وصل أوديب إلى طيبة وجد أبو الهول رابضا عند أبواب المدينة يلقى لغزه على الناس ،فمن لايعرف الحل منهم ابتلعه فى الحال. واستطاع أوديب أن يحل اللغز وأن يخلص المدينة من أبى الهول . وكان كريون الذى تولى الحكم بعد موت لايوس قد أعلن أن عرش طيبة وزواج الملكة مكافأة لمن ينقذ المدينة من أبى الهول؛وهكذا فاز أوديب بالكافأة وأصبح ملك طيبة وزوج الملكة (التى هى أمه).
والآن لنبحث عن مواضع التجديد التى أدخلها توفيق الحكيم على أوديب سوفوكليس ،فقد كان عليه أن يجردها من بعض المعتقدات الخرافية ،التى تأباها العقلية الإسلامية ،وأن يخرج على قاعدة الوحدة فى الزمان والمكان التى تخضع لها التراجيديا الإغريقية .وها هو ذا ألويس دى مارينياك يكتب فى مقدمته للترجمة الفرنسية لمسرحية الحكيم :"ما من شك فى أن أسطورة أوديب تثير موضوع القدر، القدر القاسى المحتوم ،الذى لاأختيار فيه ولامرد،يجثم بكل وطأة ثقله على امرئ من قبل ميلاده." ويضيف دى مارينياك بأن فكرة القضاء الحتوم من قبل الآلهة ،فكرة لايمكن ورودها على البال بأى حال من الأحوال فى العالم السيحى الغربى .ويظن مارنياك أن العالم الإسلامى لايرفض فكرة القدر المحتوم على أنها سخيفة باطلة ؛ولذلك فإن توفيق الحكيم الكاتب المسلم قد أبدع فى موضع كان الإخفاق فيه من نصيب عامة الؤلفين المسيحيين فى الغرب من مقلدى سوفوكليس .ولكن توفيق الحكيم يرد على دى مارينياك نافيا الرأى الغربى بأن فكرة القدر مقبولة عند المسلمين على النحو الذى كان معروفا عند الإغريق .
ويقول توفيق الحكيم فى "التعادلية " عن البطل المأساوى فى مسرحه :"ومهما يكن من وجود القوى الخارقة التى تؤثر فى إرادته ،فإن هذا التأثير لاينفى عنه صفة الإرادة الحرة فى كثير من أوضاعها .ومادام الإنسان حر الإرادة ولو بعض الحرية ،فهو إذا مسئول لأن المسئولية تنبع من الحرية ".
ويستمر الحكيم قائلا :"إذا كنت قد لاحظت أنى قد جردت أوديب من عظمته الأسطورية لأضفى عليه عظمة آخرى ،صادرة عن فضيلته البشرية ،فإن ذلك راجع أيضا إلى روح الدين الإسلامى.
وبالفعل نلاحظ فى أحاديث أوديب بالمسرحية ترديد نغمة إسلامية مثل قوله مخاطبا نفسه : "عينك المغلقة لم تستطع أن تبصر يد الإله فى هذا الكون ! هذا النظام المقرر للأشياء ، الدقيق كالصراط ،كل من خرج عليه وجد حفرا يقع فيها.صراط لك أن تسير فيه بإرادتك أوتقف ، ولكن ليس لك أن تتحدى أو تنحرف ". ولكننا رغم كل ذلك نستطيع أن نلاحظ أن توفيق الحكيم لم ينجح تماما فى جعل مسرحيته عربية إسلامية ،فهى مازالت تتسم فى بعضها بالوثنية كما يتضح فى أفعال أوديب .
وبمتابعة الحوار في المسرحيتين نستطيع أن نرصد أوجه الإختلاف والشبه بين كل من سوفوكليس والحكيم وذلك بما جرى على لسان الشخصيات هنا وهناك. ولذلك نبين الشخصيات في المسرحيتين:
فعند سوفوكليس نجد: أوديب – كريون – الجوقة – رئيس الجوقة – كاهن – الكاهن ترسياس – جوكاستا – رسول – راعي يقال عنه في بعض الأحيان خادم الشيخ : الرسول من كورنت .
فنجد هنا أول مظهر من مظاهر الإختلاف وهو توظيف الحكيم لعدد أكثر من الشخصيات مما يثري الحوار عنده وينبئ بمزيد من الاختلافات كما سنرى.فمن الاختلافات الجلية إننا نجد في مسرحية الحكيم جو الأسرة والعاطفة بين الزوج والزوجة وبين كل منهما وبين الأولاد الأمر الذي نفتقده في مسرحية سوفوكليس الأمرالذي برره الحكيم قائلا أن كل هام من الأحداث وكل عظيم من الأمر إنما كان يقع عند اليونان في مكان عام وما كانت العلاقات الاجتماعية بين الناس تنشأ في البيوت بل في الأسواق والطرقات لذلك فإننا نجد أوديب عند سوفوكليس ينادي شعبه كثيرا بـ " أبنائي "
شخصية أوديب عند الحكيم أكثر تعقيدا منها عند سوفوكليس فهو دائم البحث عن حقيقة أصله مهموم شديد الهم بالمرض الذي أصاب المدينة ويبدو في أجزاء عديدة من الحوار أنه شاعر بالذنب تجاه ملكه لعرش طيبة فهي ليست ذات بعد أحادي كما هي عند سوفوكليس فسوفوكليس قانع تماما بأنه المستحق الوحيد للعرش لأنه حل اللغز
فاللغز هنا حقيقي وليس أكذوبة كما هي عند الحكيم الأمر الذي جعل أوديب الحكيم مغتصبا للقب البطل الذي يطلقه عليه كل من حوله . فالشعور بالذنب عند أوديب لا يتبدى في ما حدث له من مصير قدر عليه كما هو عند سوفوكليس بينما هو يشعر بالذنب تجاه تلك الأكذوبة الكبرى التي اشترك فيها مع ترسياس وهي أكذوبة اللغز حيث يقول : إني لأنتظر اليوم الذي أطرح فيه عن كاهلي الك الأكذوبة الكبرى التي أعيش فيها منذ سبعة عشر عاما.
كذلك فإننا نجد أن مصدر القلق عند سوفوكليس والحكيم مختلف بالنسبة لأوديب فكل شيء في مسرحية سوفوكليس ذو بعد واحد فمصدر القلق في سوفوكليس إنما هو المرض الذي أصاب المدينة فقط أما عند الحكيم فيبدو للقلق أكثر من سبب حيث يبدو أوديب دائما قلقا ويظهر ذلك منذ الفصل الأول وذلك يضفي على الشخصية تعقيدا أكثر فنجده مثلا يرد على جوكاستا قائلا: انقباض لا أدري له عله ...... لكأن شرا مستطيرا يتربص بي.
إذا فهناك قلق لا يدري سببه وهناك قلق بسبب المرض الذي يجتاح البلاد وهناك قلق يشعر به أوديب ليس مصدره داخلي فقط وإنما هو وضعه القائم في المدينة فبالرغم من أن الشعب يحبه ولا يرون غيره منقذا لهم من الهلاك إلا إنه كما قال له ترسياس: فالكهنة لا يحبون تفكيرك ويضيقون بعقليتك ويأنسون بمثل كريون والظروف في طيبة ......... ظروف انقلاب.
كذلك فإننا نجد من مظاهر الاختلاف أن أوديب عند الحكيم دائما يجادل في الحقيقة ولا يؤمن بالوساطة بين الآلهة والبشر فكما قال له الكاهن : إن وحي السماء عندك موضع فحص وتنقيب.
وتلك هي طبيعته كما أجاب أوديب بنفسه ومما يدلل على انه يؤمن بالسماء قوله : إن السماء لا تظلم أبدا لأنها ميزان لا يعرف الخلل ولا الميل ولا الإنحراف .....
بينما أوديب عند سوفوكليس مقتنع تماما بأمر الوساطة والكهانة.
من الاختلافات كذلك أن أوديب عند الحكيم إنما هو بشري تماما فرد عادي من البشر أما هو عند سوفوكليس فهو نصف إله الأمر الذي يضفي تأكيدا وشرعية على أحقيته للعرش . نجد كذلك أنه حين حدث الشجار بين لايوس وأوديب لم يقتل أوديب عند الحكيم لايوس عن قصد حيث قال : ولكن ضربة من هراوتي فيما يبدو طاشت فأصابت رأس من كان في المركبة.
إنما عند سوفوكليس بدأ الشيخ بمهاجمة أوديب حيث يقول؟ وإذا الشيخ ينتظر حتى أحاذي العجلة ثم يرفع سوطه المزدوج ويهوي به على رأسي وقد أدى ثمن هذه الضربة غاليا فما هي إلا أن أصب على رأسه عصاي بهذه اليد التي ترين فيهوى صريعا.
فهذا القتل العمد عند سوفوكليس يعمق الشعور بالذنب ويجعله مستحقا لما سيلحقه بنفسه من عقاب بينما يحدث العكس عند الحكيم فأوديب عنده لم يقترف أي ذنب مما قدر عليه من الآلهه لهذا فهو لا يرى نفسه آثما. أيضا ما فعله أوديب بعد ذلك من فقء لعينه فكان عند سوفوكليس كي يعاقب نفسه على هذا الذنب ولكي يعاقب نفسه على ما فعله من بحث عن الحقيقة ولكى لا يرى أبيه فى العالم الآخر في آخر المسرحية حيث يقول: ستظلان في الظلمة فلا تريان ما كان يجب ألا ترياه ولا تعرفان من لا أريد أن أعرف بعد اليوم. مما يجسد شعوره بالذنب.
بينما عند الحكيم غما كان وحزنا على جوكاستا حيث يقول : لن أبكيك إلا بدموع من دم.

كذلك نجد الحكيم يجسد سخرية القدر على لسان أوديب قائلا: ياله من مصير ... إني بطل لأني قتلت وحشا زعموا أن له أجنحة وأني مجرم لأني قتلت رجلا أثبتوا أنه أبي الذي جئت من صلبه وما أنا بالبطل ولا بالمجرم.
بينما عند سوفوكليس فهو متحمل تماما للذنب برغم عدم اقترافه اياه عن قصد .
أوديب سوفوكليس أفشى لابنتيه دناسة أصله قائلا : أي شقاء لم ينزل بكما أبوكما قتل أباه وتزوج أمه .... . أما عن باقي الشخصيات والتي لم تبدو في قوة حضور أوديب فنجد مثلا جوكاستا الزوجة الوفية في المسرحيتين.
فنجد أن حضور جوكاستا قوي في مسرحية الحكيم عنه في مسرحية سوفوكليسكذلك تبدو جوكاستا عند الحكيم أكثر عاطفية ويتبدى ذلك في الحوارمن مثل قولها: ... من الظافر؟ لا بالوحش ... بل بقلبي .... . ففي حقيقة الأمر نجد أن مسرحية سوفوكليس فقدت كل ماله صلة بالعواطف والمشاعر فالحوار دائما جاف صلب. كذلك من خلال حضور جوكاستا القوي عند الحكيم صورها الحكيم بأنها مؤمنة بالوحي بعكس أوديب ويبدو ذلك من حوارها : أعلم أني مدينة بسعادتي للإله. كما أن مشاعر الإثم لجوكاستاعند سوفوكليس تجسدت فى قتل نفسها تكفيرا عن الذنب أما عند الحكيم فقد تألمت كثيرا قبل موتها فقد تذكرت ابنائها
وهذا أيضا من الاختلافات في المسرحيتين . بينما هي فيحمل لها الحوار تحملها للمصيبة في أكثر من موضع مثل: أوديب يا ... لست أدري كيف أناديك. - : لا أستطيع البقاء معك . - : لم نعد نصلح للبقاء معا.
وقد تشابهت شخصية جوكاستا عند الحكيم وسوفوكليس فتمثل جوكاستا في المسرحيتين صوت العقل وذلك بما يخص الإله فتقول عند الحكيم: قلما استطاع بشر أن يحسن فهم الوحي الإلهيوتقول عند سوفوكليس: ألا تخجلان من إثارة الخصومة الخاصة في أثناء هذه الكارثة الهائله وتقول أيضا: إني أعتقد أن ليس بين الناس من يحسن فن الكهانة. كذلك نجد أن جوكاستا عند الحكيم وعند سوفوكليس تخشى معرفة الحقيقة وتفضل الواقع على الحقيقة وذلك قبل انكشاف الأمور فتقول عند سوفوكليس : لا تلتفت إلى هذا اجتهد في أن تنسى هذا الكلام.وعند الحكيم : لست أعلم شيئا ولا ينبغي أن نعلم .. دع هذا الأمر وأغلق هذا الباب فلن تظفر من ورائه بطائل.
أما عن شخصية ترسياس فنجد أنه بداية يتشابه في أنه في عقل الشعب عند الحكيم وسوفوكليس شخص له قيمة كبرى يوحى إليه من السماء،وكذلك عند سوفوكليس نجد أنهم عند حوارهم عن ترسياس الكاهن قد جعلوه ندا للإله حيث يقول عنه رئيس الجوقة: يخترق رأيه حجب الغيب ويرى ما وراءها كما يراها أبولون نفسه.أما عند الحكيم فهذه الصفة يؤكد عليها ترسياس بنفسه حيث يقول : لقد أردت فكنت أنا الإله.نجد أن ترسياس عند الحكيم له شخصية مركبة فهو المتآمر على عرش لايوس وهو المتحكم في القدر والساخر منه وهو المحبوب من الناس وهو الهازر وتتجسد على لسانه كذلك سخرية القدر فيقول موجها حديثه للصبي: إذهب بي إلى الإله لأسأله متى أعد سخريته ودبرها؟ .. قبل خلقنا ؟ أو بعد تفكيرنا .. وأدخلني على غلائه .. لأعلم هل هو يضحك الساعة حقا مني كذلك نجد أن ترسياس عند الحكيم معاونا لأوديب في أموره حيث قال له: أنه لمن الحمق يا أوديب أن تخشى من جانبي أمرا.بينما نجد طبيعة الحوار متوترة عند سوفوكليس بين أوديب وترسياس وفيها قدر كبير من العداء فنجد مثلا: أوديب: أتظن أنك ستحمد عاقبة كلامك هذا؟ويقول ترسياس في موضع آخر : أأنت أيها الشقي .. ...... .

أما بالنسبة لكريون فنجد أنه في المسرحيتين شخص مرموق ومحبوب من الجميع وغير طامع في الملك حيث أنه قد تنازل عن العرش قبل ذلك إنقاذا للمدينة.بينما يختلف في سوفوكليس عن الحكيم حيث يبدو من حوار كريون في آخر المسرحية التأكيد على دناسة أصل أوديب وعلى عدم وجوب ظهوره للعيان حيث ... يقول:وأن تخجلوا من أن تظهروا هذا الكائن الدنس بارز غير مقنعبينما هو عند الحكيم أرفق بأوديب أكثر حيث أنه لم يرد أن يقطع في أمره رأيا حاسما إلا بعد أن يستشير الألهه رغم أن الوحي قضى إما بقتله أو بنفيه إلا أنه لا يزال يشعر بعظمته ويريد أن يستشير الآلهه مرة أخرى وأن يترك الأمر لأوديب.
كان توفيق الحكيم أول الأدباء تأثرا بمسرحية سوفوكليس و أبرز ما صاغه في هذا العمل هو تغيير الصراع من( صراع بين الإنسان و الآلهة) إلى (صراع بين الحقيقة و الواقع).
الحقيقة الأليمة: الكامنة في كون أوديب ابنا لايوس و قاتله و زوج ارملته التي هي أمه و
الواقع: الظاهر المتمثل في توليه ملكا على طيبة منتشيا بحب زوجته و أولاده
على أن متابعة المسرحية تكشف عن عدم توفيق الحكيم في تقديم ما هو جديد فالمسار العام في المسرحيتين يكاد يكون متطابق و الشخصيات هي نفسها بلا زيادة أو نقصان مع تغيير دور احداها حتى النبؤة يصر على استخدامها و الاختلاف أنه اجراها على لسان جوستاكا.
و يمكننا القول بأن أوديب كان شقيا في المسرحيتين بالبحث عن شيء ما البحث عن قاتل لايوس عند سوفوكليس و البحث عن حقيقة نسبه عند الحكيم و يوجد دافع مهم للقلق عند كلا من سوفوكليس و الحكيم فعند الحكيم (ذاتي و شخصي ) معرفة حقيقة نسبه اما عند سوفوكليس (دافع وطني) فهو يريد تخلص شعبه من خطر الوباء . تبلغ محاكاة الحكيم لأوديب غايتها في العقوبة التي حلت بأوديب و هي فقأ عينيه فعنده ما يسوغه فى العقيدة الوثنيه و لكن ما الذي يسوغه عند الحكيم و هو يعترف انها عقوبة غير صحيحة و منافية لتعاليم الإسلام و في نفس الوقت يذكر أنه لم يسقط السبب الموجب للعقوبة لتعارضها مع العقيدة الدينية.
- نرى الحكيم جعل أوديب يعرف من بداية المسرحية زيف نسبه إلىى بوليب و ميروبي و كان لهذه المعرفة اثرها في تقليص دور الرسول القادم من كورنته و إضعاف تأثيره الدرامي .
- و عند سوفوكليس رأينا قدوم رسول كورنتة أولا ثم وصول خادم لايوس بناء على استدعاء من أوديب و تمت المواجهة و انتظم الحدث أما عند الحكيم جعل مقدم الخادم أولا و لم يكن ذلك نتيجة استدعاء من أوديب و إنما بسبب حدث أقرب إلى المصادفة و هو أن الخادم جاء يصلي مع أهل طيبة لينقشع الوباء و بعد أن يتأكد أوديب منه أن القاتل كان جماعة يأتي رسول كورنته فيما يشبه المصادفة أيضا نراه يسأل عن الراعي و يستجوبه و لا شك أن تقديم الحدث على هذه الطريقة يهز الكيان الفني للعمل و يسلبه قدرا كبيرا من التماسك.
مفهوم الحكيم للتراجيديا
يرى توفيق الحكيم أن الترجمة ليست إلا أداة يجب أن تحملنا إلى غاية أبعد , وهى الاغتراف من النبع ثم إساغته وهضمه وتمثيله لنخرجه للناس مرة أخرى مصبوغا بلون تفكيرنا ،مطبوعا بطابع عقائدنا ،هكذا يجب أن يكون تعاملنا مع التراجيديا الإغريقية ، نتوفر على دراستها بصبر وجلد ،ثم ننظر إليها بعدئذ بعيون عربية .
إن توفيق الحكيم قد وضع مسرحية "الملك أوديب" لإدخال عنصر التراجيديا فى موضوع عربى إسلامى كما وضع من قبل "أهل الكهف " و"بجماليون" . ولكن هل وفق فى هذا ؟ أولا يجب أن نعرف قبل الاجابة على هذا السؤال أن فكرة التراجيديا القائمة على الصراع بين الانسان والآلهة ليست جديدة ،فهى فكرة إغريقية قديمة. فآلهة الإغريق يشاركون عبادهم من البشر ، ليس فقط أنشطة حياتهم اليومية ، بل أيضا أحداث أعمالهم الأدبية.
خلاصة القول أنه لا حياة للآدميين بدون الآلهة ،ولا ضرورة لهؤلاء إن لم يوجد الجنس البشرى على الأرض. وبالطبع فإن الآلهة الإغريق يشكلون القوة الأعلى ،ولكن هناك من البشر من يحاول أن يتخطى الحدود الآدمية وأن يقترب من الأرباب ،وهنا يقع المحظور وتنشأ المأساة ؛لأن الآلهة تعاقب كل من يتعدى الحدود المرسومة أو يتطاول على الآلهة ،مرتكبا ماأسماه الإغريق بالهيبريس بمعنى العجرفة أوالغطرسة .ولقد فسربعض النقاد التراجيديا الإغريقية بصفة عامة ومسرحيات سوفوكليس بصفة خاصة على أساس فكرة الهيبيريس هذه .
فعندما يزعم توفيق الحكيم أنه فى الملك أوديب أبرز عواقب تطاول البطل على الآلهة ؛لكى يقرب الأسطورة الإغريقية من العقول العربية الاسلامية ،نجد أنه ربما قد اقترب فى الواقع أكثر وأكثر من الفكرة الإغريقية .ولكن ذلك لا يمنع أن فضل توفيق الحكيم بمعارضته المسرحيات الثلاث ( براكسا) و(بجماليون) و(الملك أوديب)لايعلوه فضل .
هل هى مسرحية ذهنية حقا ؟
يتساءل الحكيم عما إذا كان فى الإمكان أن تعرض على خشبة المسرح دون أن يتجرد الفكر فيها إلى حد يلحقها بالنوع الذهنى من المسرحيات .ولكى يجيب على هذا التساؤل عكف توفيق الحكيم وقتا ليس بالقصير على دراسة سوفوكليس ،وانتهى إلى انتخاب أوديب موضوعا لتجربته الرائدة .واختار أوديب لأنه أبصر فيها صراعا ليس بين الإنسان والقدر؛بل هو صراع ليس فقط بين الإنسان والزمن ،بل هى حرب خفية تجرى بين الواقع والحقيقة من جهة والحلم من جهة أخرى.ومن الثابت أن شخصية أوديب نفسها تصلح موضوعا لمسرحية ذهنية ،فهو فى الأصل بطل من أبطال الإغريق ،تلك الشخصيات النصف إلهية .

صراع مع الحقيقة :يبدو أن البطل المأساوى فى مسرحية توفيق الحكيم لا يتمثل فى شخصية أوديب أو يوكاستى،وإنما الحقيقة هى بطل الصراع الفعلى الدائر طوال أحداث المسرحية .فأوديب ويوكاستى تحابا وأفسد ما بينهما علمهما بحقيقة أحدهما بالنسبة للآخر ،إن أقوى خصم للإنسان دائما هو شبح يطلق عليه اسم الحقيقة "الحقيقة" ،ولم تكن حياة أوديب كلها إلاصراعا من أجل الوصول للحقيقة ، فهو يقول "ما هى الحقيقة ؟ لوأنها كانت أسدا ضاريا حاد المخلب والناب لقتلته وألقيت به بعيدا عن طريقنا.ولكنها شئ لا يوجد إلا فى أذهاننا ،إنها وهم! إن ضربتى لا تنفذ فى أحشائها ويدى لا تنال من كيانها. وحش مجنح حقاً ! رابض فى الهواء لا نصل إليه بسلاحنا ، ويقتل سعادتنا بألغازه ! "
وإذا كانت الحقيقة بمثل هذه القسوة والوحشية ، فإن أوديب لا يكل فى البحث عنها ، فهذه طبيعته أو هذا قدره ، وهو دائما يردد عبارات مثل: " أهيم بالمعرفة " و " كنت محباً للبحث عن حقائق الأشياء " و " همت على وجهى باحثاً عن حقيقتى " و " ليس أحب إليَ من البحث ، وما حياتى كلها سوى بحث ". وهو على استعداد تام ليركب الصعب ويفعل المحال ؛ لكى يصل إلى الحقيقة " لست أخاف على نفسى من الحقيقة ولو طوحت بي من فوق العرش "ولزام علينا هنا الإشارة إلى أن قيام المأساوية فى مسرحية الحكيم على هذا العنصر أى "البحث عن الحقيقة" شئ يناسب شخصية المؤلف الذى عمل يوما ما وكيلا للنيابة ،ولكنه من جهة أخرى ليس بدعة جديدة من عنديات توفيق الحكيم ،وإنما هو عنصر موجود أصلا فى مسرحية سوفوكليس "أوديب ملكا "، أو قل أنه على الأقل يمثل أحد التفسيرات المقترحة لشخصية أوديب سوفوكليس ،بل ولشخصيات أخرى لنفس المؤلف.وفى داخل إطار صراع أوديب توفيق الحكيم من أجل الحقيقة ،تدور صراعات آخرى بين إرادة الإنسان وإرادة الاله ،وبين الأكذوبة والحقيقة .ولنسمع لهذا الحوار بين أوديب وترسياس :
ترسياس :"دعك ياأوديب من الحقيقة ،لا تتحدها ".أوديب :"ولماذا تتحدى أنت السماء ياترسياس؟ أتراك أصلب منى عودا وأمضى عزما وأحد بصرا؟"ترسياس:"لست أحد منك بصرا ياأوديب ،فأنا لا أرى شيئا ولا أبصر فى الوجود إلا إرادتنا .لقد أردت فكنت أنا الإله ،ولقد أرغمت طيبة حقا على أن تقبل الملك الذى أردته أنا لها فكان لى ما أردت كما ترى ."نعم؛فترسياس توفيق الحكيم لم يعد كما كان فى مسرحية سوفوكليس عرافا مهيبا أمينا على أسرار السماء والأحياء يعتبر نفسه ليس فقط ندا للملك أوديب ،بل أفضل منه مكانا ،فالأخير لايرى أى جرم ارتكب ولا مع من يعيش ،فى حين يعرف ترسياس الأعمى كل ذلك معرفة اليقين .وعندما يرسل الملك فى طلبه لاستشارته فى أمر الطاعون المدمر كان ذلك بناء على توصية من كريون والجوقة التى تمثل أهل مدينة طيبة .فهذا العراف اذا عند سوفوكليس موضع ثقة الجميع ،حتى أوديب الملك يحترمه ويقدسه ويتضرع إليه فى تواضع شديد لكى يتفوه ب الحقيقة ،وعندما يرفض العراف كشف النقاب عن الأسرار ,ينقلب عليه أوديب غاضبا ومهددا ومهينا, ويبلغ جنون غضبه الذروة ؛وعندئذ يضطر العراف إلى إعلان أن أوديب نفسه هو قاتل الملك لايوس .وتخدم هذه المشاجرة العنيفة بين أوديب وترسياس حول الحقيقة ،تطور الحدث الدرامى أيما خدمة ؛فبعدما كان طبيعيا أن يرفض أوديب أهل مدينة طيبة تصديق العراف ترسياس .وفى هذه المشاجرة أيضا تبدو براعة سوفوكليس الفائقة فى استخدام فن "السخرية التراجيديا" أو "المفارقة المأساوية" التى اشتهر بها ،فها هو ذا ترسياس يعلن على الملأ فى وضح النهار وبأعلى صوته الحقيقة سافرة فلا يصدقه أحد من شخوص المسرحية المنهمكين فى البحث عن هذه الحقيقة نفسها بل كان من نتيجة إعلان ترسياس للحقيقة أن طعنه أوديب فى أهم مبررات وجوده بين البشر – وهو فن العرافة- ويسأله لماذا لم يستطع وهو العليم بكل الأسرار الخفية أن يحل لغز أبى الهول ويخلص الناس من أهواله. وبلغ من سخرية الأحداث أن يقف أوديب القاتل الحقيقى وأمامه يمثل المتهمان ترسياس وكريون .

فأنا أتألم لكم وللدولة ولنفسى!" ، ويتمتع أوديب سوفوكليس إلى جانب المجد والشهرة وحب الشعب بصفات البطولة الحقة كالجرأة التى لا يقف فى طريقها شئ ، وهو كذلك يتمتع بما يمكن أن نسميه "المبادرة البطولية" ،فهو يبادر بإرسال كريون لاستشارة النبوءة فى أمر الطاعون .وعندما يعود كريون من دلفى ،ويمثل أمام الملك ويسأله عما إذا كان يفضل أن يفصح له بما جاء به من هناك أمام الناس ، أم على انفراد ،يجيبه أوديب على الفور بأن يعلن كل ماجاء به على الملأ .وعلى أثر معرفته بما جاء به كريون من دلفى يبادر أوديب بتنفيذ ما جاءت به النبوءة ،ويقول أنه سيبدأ من البداية ليحسم الموقف ،وتنجلى الحقيقة ، ويتحدث بلغة الواثق من النجاح.أما أوديب الحكيم فتتلخص مأساته فى أنه يعيش أكذوبة كبيرة ، تصوره للناس بطلاً وما هو بالبطل.ولكنه بالإضافة إلى ذلك يهيم بمعرفة الحقيقة ، وفى ذلك تناقض كبير وقع فيه الحكيم ؛ إذ كيف ينهمك أوديب فى البحث عن حقيقة نفسه وهو العارف بأنه يعيش فى أكاذيب وأضاليل قبلها عن ترسياس ابتداء وتستر عليها. على أية حال يخاطب الكاهن أوديب قائلاً : " لكنك تبحث دائما فيما لا ينبغى البحث فيه . وتسأل دائماً أسئلة لا يجب أن تطرح ! إن وحى السماء عندك موضع فحص وتنقيب ! " ، أى أن أوديب الحكيم قد وقع فى المحظور بتحديه القوى الإلهية ، ومحاولته الوصول إلى مالا ينبغى له. ويقارن الكاهن بين شخصيته وشخصية كريون ، الذى هو " رجل لا يجادل فى الحقيقة ولا يمارى فى الواقع ، ولن يقول للكهان فى معبد دلفى : " أقيموا لى البرهان المحسوس على أن هذا الوحى هبط عليكم من الإله حقاً ولم يهبط من أذهانكم ! " " .فكريون هذا المتزن يحيا حياة مستقرة هادئة ، فى حين أن أوديب يشقى لأنه يتشكك فى كل شئ ، ويريد أن يلمس كل الحقائق بيديه ، يقول : " ولقد حذرنى يوماً ترسياس من أن تلمس أصابعى وجها ( أى الحقيقة ) وتدنو من عينها ! إنها لا تحب من يحدق إليها أكثر مما ينبغى ! نعم ، لقد دنت هذه الأصابع منها أكثر مما ينبغى حتى أقتلعت عينى أنا ! لقد انتقمت هى فخفف عنى أنت أيها الكاهن ؛ إنى فى حاجة إلى رثائك ورحمتك ! ".تكمن البذور المأساوية لمسرحية توفيق الحكيم كما هو الحال عند سوفوكليس فى طبيعة الحقيقة التى يبحث عنها أوديب. تقول يوكاستى لأوديب الحكيم : " لطالما حذرتك من ذلك وأشفقت عليك منها . أنت الذى قضيت خير أيامك تجرى من خلفها ، من بلد إلى بلد ، لتمسك بنقابها حتى التفت إليك آخر الأمر ، وكشفت لك قليلاً عن وجهها المروع ، وصرخت بصوتها المدوى ، فهدمت صرح سعادتنا وصيرتنا إلى ما ترى ، حطام من أسرة لا تعرف لها وضعا بين الأسر ولا نعتا بين البشر." ويرد أوديب فى استسلام كامل : "حقاً ليتنى ما عرفتها . " وهى عبارة لا يمكن تصور ورودها على لسان بطل سوفوكليس شامخ الكبرياء حتى فى أحلك لحظات عمره ، ولكنها مقبولة بمنطق أوديب الحكيم ، ومنتظرة من شخص مثله بلغ به الأمر إلى حد إقامه عرشه على أضاليل وأكاذيب عراف أعمى منحرف.البطولة الكاذبة:تتمثل بطولة أوديب الأسطورية فى أنه حل لغز أبى الهول ، وهو اللغز الذى لم يستطع أحد أن يفك رموزه ، وقتل بسببه الكثيرون قبل قدوم أوديب البطل المنقذ ، مخلص مدينة طيبة من هذا الهول. أما طبيعة هذا اللغز فتدور حول الحيوان الذى يمشى صباحا على أربع ، وفى الظهيرة على اثنتين ، وفى المساء على ثلاث . ويتعجب أوديب الحكيم نفسه كيف فات أكثر الناس رؤية حل مثل هذا اللغز الواضح ؛ فما هذا الحيوان سوى الإنسان المسئول نفسه ، يحبو أيام الطفولة على يديه ورجليه ، وفى شرخ الشباب يسير على قدميه ، وعندما يبلغ من العمر عتياً يتخذ لنفسه عصاً يتوكأ عليها كقدم ثالثة .ولعل أبا الهول أراد أن يسخر من الإنسان الذى لا يرى ولا يعرف حقيقة نفسه.ومن المؤكد أن طبيعة هذا اللغز الأسطورى مرتبطة بفكرة " أعرف نفسك " الإغريقية الكلاسيكية المتصلة بفكرة الحكمة أو الاعتدال والتى كانت تعنى عند هوميروس معرفة الحدود بين الإنسان الفانى والإله الخالد ، وعدم تخطيها من جانب البشر. أما أبطال سوفوكليس وعلى رأسهم أوديب فلا شئ يحد تصرفاتهم أو يقيدهم ، سوى مبادئ السلوك البطولية . فإذا كان سائر البشر يخضعون لقيود موضوعة ،ويلتزمون بحدود مرسومة ،فإن أبطال سوفوكليس يحطمون كل القيود والحدود ؛لأنهم وحدهم الذين يتمتعون بفضيلة "اعرف نفسك" ،ولأن هذه الفضيلة البطولية ووعيهم بها تضع على حريتهم قيودا أكثر صلابة ،وحدودا أشد صرامة ،من تلك التى تفرضها الحياة الاجتماعية العادية على غيرهم من الأفراد العاديين.وهكذا تنبع مأساوية سوفوكليس ،ليس فقط من التناقض الحتمى بين قوانين السلوك التى يخضع لها المجتمع البشرى ،والحرية البطولية التى لا تخضع إلا لأحكام خاصة بها ،أو من عجز المجتمع البشرى عن معرفة حقيقة الطبيعة البطولية فحسب ، وإنما أيضا لأن معرفة بطل سوفوكليس بنفسه لم تك كاملة قط،إنه أكثر الناس معرفة بنفسه ومع ذلك فهناك شئ ما جوهرى ينقصه ،وذلك مايفرق بينه وبين الإله ،ويعلو به فى الوقت نفسه فوق مستوى الفرد العادى.ومع أن توفيق الحكيم يهدف إلى هدم العظمة الأسطورية لأوديب ،إلا أنه احتفظ له ببعض ملامح البطولة الإغريقية القديمة ؛ فيقدمه منقذا للمدينة من أبى الهول , وتلك سمة أصيلة فى مفهوم البطولة لدى الإغريق .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــمسرحية اوديب ملكا لـ "سوفوكليس" - ترجمة د. ابراهيم سكر -
الهيئه المصرية العامة للكتاب | القاهرة | الطبعة الأولى | 1995
- مقدمة فى تاريخ المسرح /الجزء الأول :تحرير فيليب زاريللى ،بروس مكوناشى ،جارى جاى ويليامز ، كارول فيشر سور جنفرى / ترجمة د:سومية مظلوم / مراجعة أ.د:عبد المعطى شعراوى /مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى
_ سوفوكليس / أوديب ملكا / ترجمة د:على حافظ / دار الكاتب العربى / القاهرة / نوفمبر1967
-المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم/ د:أحمد عتمان / الشركة المصرية العالمية للنشر -لونجمان








رد مع اقتباس



   قدَّم باكثير لهذه المسرحية -كعادته في معظم أعماله الأدبية- بآية من القرآن الكريم، هي قوله تعالى: (ولا تتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إنَّهُ لكم عدوٌ مُبين * إنَّما يأمُرُكُم بالسُّوءِ والفحشاءِ وأن تقولوا على اللَّهِ مالا تعلمون)[لتكون تلخيصاً لفكرة المسرحية. وفي ضوء المعنى الذي اشتملت عليه هذه الآية الكريمة تشكلت الصورة الجديدة للمسرحية[].
   ذكرنا - في الفصل السابق- أن الصراع في أوديب سوفكليس يدور بين الآلهة والبشر، فأين يتركز الصراع في أوديب باكثير ؟ يجيب د. عز الدين إسماعيل عن هذا السؤال قائلاً: "نستطيع أن نقرر ببساطة أن الصراع هنا بين قوى الشر ممثلة في الكاهن الأكبر المخادع، وقوى الخير ممثلة في أوديب وترزياس الكاهن المصلح"[]  إذاً فالصراع لم يكن بين أوديب والآلهة، لأنه لم يكن هناك آلهة، بل إله واحد كامل لا يحمل حقداً للبشر[].
   والمؤامرة التي وقع أوديب ضحيتها كانت مؤامرة الكاهن الفاسق الذي استغل مركزه الديني في الإيقاع بأوديب. وهو في كل مرحلة من مراحل هذه المؤامرة تدفعه شراهته للمال والنذور إلى أن يوقع في روع ضحاياه أن الوحي الإلهي هو الذي يريد، وأنه ليس إلا منفذاً لهذه الإرادة[]. وهكذا أوعز هذا الكاهن المخادع إلى الملك لايوس بالتخلص من ابنه حتى لا يكون وبالاً عليه. وهو في الحقيقة قد قبض ثمن ذلك من منافسه الملك بوليب ملك كورنثه[]. ثم دبر الكاهن نجاة أوديب من القتل، وأوعز لنديمه أن يعيَّره أنه لقيط[]، ودبَّر له أن يقتل أباه ويتزوج أمه[]. ويظل الكاهن الأكبر مسالماً لأوديب سبعة عشر سنة كان خلالها تتوافد عليه النذور من الملكة جوكاستا. حتى إذا كانت قصة الوباء وخشي الكاهن من عزم أوديب على تفريج أزمة الشعب بأن يوزع في الناس أموال المعبد، كان ذلك بداية للصراع بينهما[].
   ويقرر أوديب مصادرة أموال المعبد غير عابئ بتهديدات الكاهن الأكبر بإشاعة تفاصيل قصته في الناس[]. وينظم إلى أوديب في موقفه ترزياس الذي كان الكاهن الأكبر قد طرده من المعبد ومن المدينة لعدم رضائه عن تصرفات الكاهن الأكبر. وعندئذ يظهر لنا أوديب وترزياس مؤمنين بالله، وكافرين بالمعبد وكهنته، وعلى رأسهم كبيرهم. ويشتد الصراع بين الجانبين، الكاهن الأكبر يهاجم أوديب وترزياس ويغري بهما جموع الشعب، وله في ذلك وسيلته، وبين يديه حججه، و أوديب وترزياس يهاجمانه ويكشفان للناس عن حقيقته. ويبذل الطرفان قصارى جهدهما في ذلك الصراع الذي ينتهي آخر الأمر بهزيمة الكاهن الأكبر وافتضاح أمره، وطرده إلى قمة جبل كتيرون لا يبرحها حتى الممات، وتوزع في الناس أموال المعبد إلى جانب المعونة التي قدمها كذلك بوليب ملك كورنثه[].
استطاع باكثير أن يحقق معنيين إسلاميين من خلال الصراع في هذه المسرحية. "المعنى الأول يتحقق في الحملة على الكهانة والكهان، وكل تدليس باسم الدين يفسد على الناس حياتهم، ويتولى أوديب -بطبيعة الحال- هذه الحملة"[ والمعنى الثاني يرتبط بمشكلة المسرحية في مجملها وهي مشكلة القضاء والقدر، والحرية والاختيار، وما يتصل بذلك من العدالة الإلهية. فالكاهن الأكبر كان مختاراً حين دبَّر مؤامرته، ولابد أن يُسأل عن نتيجة هذا الاختيار[ والإنسان يختار فيكون اختياره هو القدر:
أوديب : أنا اليوم ..الآن.. الساعة مختار، أقدر أن أقولها وأقدر أن لا أقولها، فيا ليت شعري أي هذين القدر‍‍‍‍‍؟ إن قلتُها كان هذا هو القدر وإن لم أقلها كان هذا هو القدر. ولكن لا أدري الآن ..لا أعرف الساعة أيهما.. هو القدر. بل إني أدري ذلك.. إن القدر الآن لمطوي في يميني: في يدي أن أجعله نعم، وفي يدي أن أجعله لا.. إذن فلأعلن لها الحقيقة الآن وليكن هذا هو القدر‍‍. لأقولن لجوكاستا: أنتِ أمي .. أمي التي ولدتني من صلب لايوس! (يتوجه نحو الباب الثاني وهو ينادي في قلق واضطراب) جوكاستا ! جوكاستا
فأوديب كان إنساناً مريداً عاقلاً حراً في اختيار ما يصنع وما يدع. "وكان يستطيع أن يفضي إلى الناس في طيبة منذ البداية بقضيته قبل أن ينصبوه ملكاً، ولكنه -كما يدلنا سياق المسرحية- لم يجد فرصة، لأن الكاهن كان قد أحكم الخطة. ولو قد بسط أوديب للناس قضيته فانتهوا فيها وفيه إلى رأي لما تزوج أمه، ولاكتُفي منه بالتكفير عن قتل أبيه خطأ. ولكن أوديب لم يصنع هذا. وهنا نجد الباب الضيق الذي أدان به باكثير أوديبه، فقد كان حراً في اختياره حين آثر السكوت ولم يبصِّر الناس بموقفه منذ البداية"[   وهكذا أدار باكثير -ببراعة فائقة- شخوص مسرحيته وأحداثها حول هذين المحورين: "فهناك إله واحد عادل حكيم وما سواه باطل، وهناك الإنسان المريد القادر العاقل الحر في اختياره المسئول عن نتائج أعماله. وليس بين هذا الإله وذلك الإنسان أي صراع لأنه لا يبغي للإنسان إلا الخير. أما الصراع الحقيقي الذي يجب على الإنسان أن يخوضه فهو ذلك الصراع بين الحقيقة والوهم، أو بين الواقع الملموس والخرافة الغيبية. وقد خاض أوديب هذه المعركة وانتصر للحقيقة والواقع. وهذه هي الغاية
الرمز في المسرحية
   كان من دواعي تأليف باكثير لمسرحية أوديب ما حل بالعرب من ذل إثر نكبة عام 1948م، ولندع المؤلف نفسه يحدثنا كيف حدث ذلك:
   " كان ذلك إثر حرب فلسطين التي انتهت بانتصار اليهود على الجيوش العربية مجتمعة، فقد انتابني شعور باليأس والقنوط من مستقبل الأمة العربية وبالخزي والهوان مما أصابها. فقد أحسستُ أن كل كرامة لها قد ديست بالأقدام فلم تبق لها كرامة تُصان. وظللتُ زمناً أرزح تحت هذا الألم الممض الثقيل ولا أدري كيف أنفِّسُ عنه. ولعل ذهني في خلال ذلك كان يبحث عن الموضوع دون أن أشعر أيضاً، إذ تذكرتُ فجأة تلك الأسطورة اليونانية التي خلَّدها سوفكليس في مسرحيته الرائعة (أوديب ملكاً) فأحسستُ أن فيها لا في غيرها يمكن أن أجد المتنفس الذي أنشده.
   ولعلكم تعجبون من هذا كما عجبتُ أنا نفسي في أول الأمر إذ أي صلة بين نكبة العرب في فلسطين وبين هذه الأسطورة اليونانية؟ غير أني أدركتُ بعد ذلك سر هذا الاختيار. ذلك أني كنتُ أحسُّ في أعماق نفسي كأن الذنب الذي ارتكبه العرب في فلسطين والخزي الذي لحقهم من جرائه لا يوازيه في البشاعة غير ذلك الذنب الذي ارتكبه أوديب في حق أبيه وأمه والخزي الذي لحقه من ذلك"
   ثم يشرح باكثير بالتفصيل أوجه الشبه بين النكبة وبين المسرحية، فيقول:
   "لقد خضنا حرب فلسطين بجيوشنا الستة أو السبعة فماذا كانت النتيجة؟ خسرنا الحرب من حيث كسبتها إسرائيل فأضيفت إلى رقعتها أراض واسعة. فهل كان ذلك طبيعياً اقتضاه ضعف العرب وقوة إسرائيل؟ أم كانت المسألة كلها مدبَّرة من قبل، تواطأ عليها الاستعمار والصهيونية وفي خدمتهما بعض ملوك العرب وزعمائهم لجر الأقطار العربية إلى تلك الحرب حتى تسفر عن هذه النتيجة المقصودة؟ ومتى بدأ هذا التدبير؟ ألم يبدأ منذ أعلن بلفور وعده المشئوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؟
   فانظروا الآن إلى قصة المسرحية، ألا ترون مشابهة من هذا الذي حدث؟ لقد أعلن لوكسياس نبوءته الكاذبة قبل مولد أوديب ثم وجَّه الأحداث نحو تحقيق هذه النبوءة حتى تحققت. وكأن أوديب هو الذي سعى بنفسه إلى خوض غمار التجربة، متحدياً تلك النبوءة حتى وقع في صميم المأساة طبقاً لخطة مرسومة لا يدري هو عنها شيئاً، تماماً كما سعى العرب إلى خوض غمار الحرب ضد إسرائيل متحدين بزعمهم كل القوى التي تناصر إسرائيل حتى وقعوا في صميم المأساة طبقاً لخطة مرسومة لا يدرون عنها شيئاً
   إذاً فإعلان وعد بلفور كان شبيهاً بتلك النبوءة المشئومة التي أعلنها الكاهن وسعى إلى تحقيقها، تماماً كما سعت بريطانيا - والغرب من ورائها- لتحقيق وعد بلفور. والأحداث التي تلت ذلك ومكنت لليهود في فلسطين إنما تمت بمعاونة وإرادة القيادات العربية في ذلك الوقت وتواطئها، تماماً كما سعى أوديب - وهو الحر المختار - إلى تنفيذ تلك النبوءة الكاذبة.
   حتى الحرب التي خاضها العرب ضد اليهود - في عام 1948م- إنما كانت -كما يرى باكثير- شكلاً من أشكال التواطؤ والاستسلام لوساوس الشيطان والتمكين للعدو من حيث كانت في ظاهرها حرباً ضده، تماماً كما قبِل أوديب الزواج بأمه ليتحدى النبوءة - كما وسوس له شيطانه - من حيث وقع فيها.
   وإذا كان أوديب معذوراً في وقوعه في الفخ الأول الذي أدى به إلى قتل أبيه لعدم علمه أنه أبوه، فلا عذر له - في نظر باكثير - في وقوعه في الفخ الآخر والجرم الذي لا يغتفر، وهو زواجه بأمه بعد علمه - ولو على سبيل الاحتمال - أن جوكاستا أمه. وهكذا فإذا كان العرب معذورون في بعض الأحداث التي لم يكن لهم يد فيها، كهجرة اليهود إلى فلسطين وتمكنهم فيها حتى أقاموا دولة إسرائيل،  فلا عذر لهم - في رأي باكثير-في هزيمتهم المنكرة في عام 1948م ومشاركتهم في التمكين للكيان الصهيوني أن يستفحل ويستشري في جسد الأمة العربية.
   وقد أدار باكثير صراعه ببراعة فائقة ليجعله بين الوهم والحقيقة، بين الإنسان والشيطان. وقد انتصر أوديب للحقيقة وتحمل تبعة ذنبه بشجاعة نادرة.
   لقد استطاع باكثير منذ ما ينيف على أربعين عاماً أن يرسم صورة صادقة - من خلال مسرحية أوديب - لواقع مرير مازلنا نعاني منه حتى الآن. فمع أن باكثير كتب هذه المسرحية عقب نكبة عام 1948م - كما أسلفنا- إلا أن فكرتها تنطبق على كل الأحداث التي تلت ذلك إلى يومنا هذا.
   فنكسة عام 1967م ما هي إلا جرم آخر يرتكبه أوديب لا يقل فظاعة عن جرم قبوله الزواج بأمه (قيام دولة الكيان الصهيوني)، والمأساة نفسها تتكرر، اليد الخفية تخطط  وأوديب  ينفذ مختاراً من حيث يزعم أنه يتحدى النبوءة.    
   وهكذا نمضي مع سلسلة المآسي، ومنها مأساة العراق والكويت. لقد ساقت الأيدي الخفية أوديب إلى أن يقتل أباه (يحتل الكويت)، ووقع أوديب في المصيدة بعلمه أو بدون علمه. ويستمر الكاهن (الأيدي الخفية) بتهديده بتحقيق الشطر الثاني من النبوءة وهي الزواج بأمه (الحرب). وكان باستطاعة أوديب أن يرفض الاستمرار في اللعبة القذرة فيجنب شعبه وأمته كارثة، ويتجنب إثماً فظيعاً. ولكنه وقع في الحبائل واستسلم لوساوس شيطانه الذي أوحى إليه أن جوكاستا ليست أمه (الحرب لن تقع)، حتى وقع المحذور وحاق الإثم بالأمة كلها.
   "ولو قد بسط أوديب للناس قضيته فانتهوا فيها وفيه إلى رأي لما تزوج أمه ولأُكتفي منه بالتكفير عن قتل أبيه خطأ، ولكن أوديب لم يصنع ذلك". وكذلك أوديب العراق لم يصنع ذلك، مع أنه في قرارة نفسه كان يعلم أنه يستطيع أن يمنع الكارثة، ولكن الأحداث المتلاحقة جعلته يظن أن الأمر خارج عن إرادته، تماماً كما ألقى أوديب باللوم على الكاهن الأكبر وتدابيره في كل ما حصل له. ولكن عندما استحلفه ترزياس قائلاً:
ترزياس: استحلفك بالإله الخبير الذي يعلم السر وأخفى يا أوديب أما كنت تشعر حينئذٍ أن ذلك كان في مستطاعك؟
أوديب: بلى يا ترزياس .. وحق الإله الذي استحلفتني به لقد هممتُ يومئذٍ مراراً أن أفعل بعض ما ذكرت، ولكن وصفاء القصر ما لبثوا أن احتوشوني وتداولوني، فهذا يغسلني، وهذا يطيبني، وهذا يرجِّل شعري، وهذا يكسوني فاخر الثياب، وكلهم يترنم بمحاسن الملكة .. بمحاسن أمي يا ترزياس، آه يا ليت أفواههم حُشيت حينئذ بأثوال من النحل الوحشي الهائم في شعف الجبال، (تتلاحق أنفاسُه) ثم لم ألبث أن أُدخلت عليها يا ترزياس، فوجدتها جارية حسناء كأنها فتاة عذراء، فانمحى من قلبي كل أثر لاحتمال أن تكون أمي، بل تمثل لي حينئذٍ خيال ميروب كأنها تقول لي عاتبة: “ هل يجمل بك يا بني أن تتزوج هذه الفتاة الحسناء دون أن أشهد عرسك؟" أواه .. أنَّى كان يمكنني الخلاص يا ترزياس؟
ترزياس: إن النفس الأمارة بالسوء كثيراً ما تخادع صاحبها يا أوديب
   أليس هذا ما حدث بالضبط مع أوديب العراق؟ فما أن فكر - ولو بينه وبين نفسه- بالانسحاب وإصلاح خطئه حتى تلاحقت الأحداث، فهذا يهدده حتى لو انسحب، وهذا يشيد بقوته التي لا تقُهر، وآخر ينفي احتمال وقوع الحرب.. الخ. حتى وقعت الجريمة التي لا تغتفر. تماماً كما حدث مع أوديب الذي ما أن فكر برفض الزواج حتى احتوشه وصفاء القصر، فهذا يغسله وهذا يطيبه وهذا يمشط شعره.. حتى إذا دخل عليها ورآها شابة في متبل العمر، محا الشيطان من قلبه كل أثر لاحتمال أن تكون أمه، وصوَّر له أن أمه إنما هي ميروب -التي ربَّته- والتي لاشك أنها عاتبة الآن لأن ابنها لم يدعها لتشهد عرسه.
   وهكذا فالرمز في المسرحية لا يتوقف عند حادثة واحدة من واقعنا بل على الواقع ككل. وقد نبَّه المؤلف نفسه إلى ذلك حين قال:
" وهكذا تستطيعون أن تمضوا في استنباط وجوه الشبه بين هذه المأساة كما صورتها المسرحية وبين واقعنا العربي، لا على أساس الرمز الجزئي الذي يخص كل شخص أو كل حدث في أحدها بشخص أو حادث في الآخر، ولكن على طريقة الرمز الكلي الشائع في المسرحية ..
 المسرحيه عند سوفوكليس واسخيلوس وهيكابى :

تعكس هذه المسرحية سمات البطولة في مسرح أيسخيلوس في كونها تتعرض لشخصية تراجيدية ترتكب خطيئة تكون السبب في تحويل حياتها من السعادةإلي الشقاء . وترافق هذه الشخصية أولا ً كورس من شخصيات أخرى تتعاطف معها في أحزانها وآلامها وتشارك في الحدث ، مثل شيوخ الفرس . وثانيا ً شخصية أو شخصيتان يتساعدان علي تطور الحدث ، ويوضحان السمات الرئيسية لشخصية البطل ودوافعه وأسباب مأساته ، مثل أتوسا وداريوس . وثالثا ً رسول يروي موضوع المأساة والكارثة في التراجيديا التي حولت حياة البطل من السعادة إلي الشقاء . لكن يري البعض أن كسركسيس لا يتفق مع شخصية البطل التراجيدي التقليدي لعدم ظهورة علي خشبة المسرح من بداية الأحداث وحتي قرب نهايتها . ويمكن الرد علي هذا بأن شخصية كسركسيس كانت القوة الدافعة الأحداث وحتي قرب نهايتها . ويمكن الرد بأن شخصية كسركسيس كانت القوة الدافعة الأحداث في المسرحية منذ بدايتها ، سواء داخل المسرحية أو خارجها . وبالرغم من عدم ظهوره ، إلا أنه كان لة صورة دائمة في أذهان الجمهور في بداية المسرحية ، وعندما يظهر قرب نهاية المسرحية بمظهره المنهار يجر أذيال الهزيمة تصل الأحداث إلي قمتها ، حيث يسقط هذا المتعجرف وقد دفع هذا المشهد الأخير لكسركسيس - بنحيبه وخيبه أمله - بعض النقاد إلي التصريح بأن اسخيلوس قد ابتعد في هذا المشهد عن وقار التراجيديا التقليدية ، فهو يجعل الشخصية البطولية تثير الضحك والسخرية بين اليونانيين وهم يشاهدون كسركسيس في صورة الحاكم الذليل و هذا في حد ذاتة يتعارض مع الهدف الأساسي للتراجيديا ومبدائها الأخلاقية . ولكن يمكننا الرد علي هذا بأن المشاهد اليوناني كان بالتأكيد لدية صورة في ذهنة للملك كسركسيس - من بداية المسرحية - بوصفه رمزا ً للهزيمة وتجسيدا ً لسلوكيات الكبرياء والغطرسة التي تؤدي إلي الدمار . وعندما يظهر في النهاية بمظهرة الحزين ، يعد تشويق الجمهور لرؤيتة وانتظار ظهورة علي خشبة المسرح بين الحين و الأخر ، يخلق نوعا ً من الأرتياح النفسي من جانب الجمهور . فهو يري تجسيدا ً للمصير الذي ينتظر كل من تسول له نفسه أن يطلق العنان لكبريائة وحماقتة أن يدفعاه لأرتكاب الخطيئة ضد البشر و الآلهة . ومن الناحية النفسية والأخلاقية نجد لهذا المشهد مغزي أخلاقي تعليمي ، وهذا بأحداثة نوعا ً من أنواع التطهير المعروف عند أرسطو كعنصر جوهري من عناصر التراجيديا . عندما يشاهد الجمهور معاناة هذا البطل المأسوي ، يعرف و يتعلم أن سلوكيات هذا البطل وانفعالاته الخاطئه تؤدي إلي الهلاك ، ومن ثم يجب أن يتجنبها في حياته . فالتدهور الاخلاقي في شخصية البطل كسركسيس ، كما وصفته المسرحية ، كان كالتالي الشبع أو الامتلاء من الثروة والرخاء ، العمي والحماقة ، الغطرسة وعدم التقوي ، التعاسة والدمار ، فجتمع كسركسيس وحبة لزيادة ثروته وسلطته و حدود إمبراطوريتة كانت من الأسباب الرئسية لدماره في النهاية (1)*. ويتهم شبح الملك داريوس ولده بالحمق والتهور ، ويعلن أن ما حل بالأمة الفارسية من نكبات ، إن هو إلا قدر مقدر ، فهناك نبوءة قديمة تحققح الآن و أن هذه المكبة ، بداية لنكبات تالية ، والسبب في ذلك أم ولده خالف النواميس المتعارف عليها ، وبسبب عناده ، وكبريائه وغروره ، وجشعة ، وطمعه ، واندفاعه ، وتهورة ، وقع في خطأة المأسوي ، فهاجم المعابد وحطم تماثيل الآلهة ، لذا اقتص منه زيوس (2)* . _____________________________________________
(1)*: التراجيديا اليونانية الدين والدنيا ص 52:57 د/ فريد حسن . (2)* : شعراء المأساة العظام أيسخيلوس ص 43 د/ شكري عبد الوهاب .
 أوديب ملكا ً
بينما في هذة السرحية نعرض سمات البطولة عند سوفوكليس ، ويعتبر اوديبوس المثال للبطل التراجيدي وبعتبر ارسطو "اوديب ملكا ً" المسرحية التراجيدية النموذجية فهي تحتوي علي العناصر الثلاثية الجوهرية للحبكة المعقدة في التراجيديا اليونانية : 1- التحول ، حيث يتحول لحظ أوديبوس فجأة من السعادة إلي التعاسة . 2- التعرف ، حيث ينتقل أوديبوس من حالة الجهل إلي حالة المعرفة وكشف الحجاب عن الامور التي كان يخفيها عنه القدر . 3- المعاناة الباعثة علي الشفقة ، حيث يعاني البطل بعد معرفتة الحقيقة ، وهذه المعاناة بخروج أوديبوس من قصره إلي المشاهدين ووجهة مملوء بالدماء بعد أن فقأ عينية - تثير الشفقة والخوف - ومن خلال هذة الانفعالات يحدث التطهير وتعد هذه المسرحية أيضا ً نموذجا لدراما الكشف و التعرف فكل الحدث الدرامي يتركز علي عملية الكشف والتعرف علي القاتل . ويعتبر التعرف في هذة المسرحية من أنواع التعرف من الناحية الفنية ، فمن ناحية ينبع هذا التعرف من صميم الأحداث عندما تحدث المفاجأة عن طريق حدث محتمل الوقوع ، ومن ناحية أخرى يرافق هذا التعرف عنصر التحول . حيث يسير الموقف الدرامي بصورة طبيعية نحو وجهة معينة ، ولكن فجأة يحدث شئ يغير سير الأحداث إلي وجهة أخرى غير متوقعة ، بأسلوب طبيعي لكشف سبب الوباء الذي حل بالبلد ، ويصارع أوديبوس للكشف عن الحقيقة فقد تحول سعادتة إلي شقاء بسبب هذا الوباء . يسير في كشفه للأحداث وهو في حالة جهل بالحقيقة ، ولكن فجأة يحدث تحول في الأحداث بدخول الراعي أن يبدد مخاوف أوديبوس ويصارحة أنة ليس ابنا لبوليبوس ، تكون هذة المعلومة بمثابة التعرف الذي يقود بعد ذلك إلي كشف الحقيقة ، وبدلا من أن تنتهي مخاوف وقلق أوديبوس ، تحدث تحولا ً مفاجئا في الأحداث . فالتعرف يتبعة التحول ، فمعرفة أوديبوس أنة ليس أبن ملك كورنثة أدي إلي تحول سيرالأحداث عن مسارها الطبيعي . وتبدأ معاناة كل من أوديبوس ( الابن والزوج ) ويوكاستا ( الأم والزوجة ) ، وفي النهاية يعاقب كل منهما نفسة بصورة تتناسب مع حجم خطأهما البشري ومع سماتهم البطولية ويرجع معاناة أوديبوس إلي خطأ ما قد ارتكبة . ويرجع النقاد المعاناة وسوء تقديرة إلي طبيعتة الاندفاعية وثقتة الزائدة بنفسة التي دفعتة الي ارتكاب جريمتة(1)*، فحين سمع أنة كتب علية أن يقتل أباه ويتزوج أمة ، ولهذا يترك كورنثة الي غير رجعة هرباً من هذا المصير وعلي الطريق يقابل رجلا ً عجوزا ً ومعة خدمة فيدخل معهم في مزاع يؤدي الي قتل العجوز ويهبط طيبة في وقت تجتاحها فية لعنة الاسفنكس فيحل اللغز وينقذ المدينة ويتزوج من الملكة الأرمل جوكاستا ، ويولدها عددا ً من الأطفال . ويظل في حكم رضي مزدهر عددا ً من السنيين حتي يلم بطيبة وباء وقحط تقاسي منهما الأمرين ، فتعلله النبؤة بأن الآلهة غضبت لأن قاتل لايوس لم يعاقب ويتولي أوديب ، بوصفه الملك ، أمر البحث عن هذا القاتل ، واذا بة يكتشف أن هو المذنب و أن جوكاستا أمه فيفقأ عينية ويحكم علي نفسة بالنفي وتقوم زوجتة بالانتحار ويتضح من ذلك أن خطأة غير المقصود جعلة يقتل أباة ويتزوج من أمه وتتصف سمات البطولة عند سوفوكليس بالفردية حيث يقوم أوديبوس بالتحري عن القاتل بمفردة دون مساعدة من أحد (2)* . ___________________________________
(1)*: التراجيديا اليونانية الدين والدنيا ص 118:120 د/ فريد حسن . (2)*: محاضرات في التراجيديا اليونانية ص 97،98 د/ السيد مصطفي عجاج .
 هيكابي
في هذه المسرحية نعرض أهم سمات الشخصية البطولية عند يوربيديس ، ويعتبر يوربيديس أول شاعر مسرحي صور الحياة وما يجري فيها من أحداث تصويرا ً واقعيا ً وهذا ما ميزة عن زميلية أيسخيلوس وسوفوكليس اللذان صورا الشخصيات تصويرا ً مثاليا ً ساميا ً بعيدا ً عن الواقع فكان يوربيديس يحكي الواقع فهو يقدم شخصياته بخيرها وشرها ويبرز سلوكها النفسي ، خاصة نفسية المرأة ، و يناقش مسألة الأثم والخطيئة بالبلاغة المعروفة عن السوفسطائيين وفي تلك المسرحية يحدث تحول حيث تتحول هيكابي من السعادة الي الشقاء حيث تفقد الملك والثروة و أولادها وتصبح عبدة فيدفعها ذلك إلي الانتقام من الذي قتل أولادها وبالفعل تنتقم من بوليمسور وتتدع بأنها تعرف مكان لكنز أخروتتحدث معه بكل أنواع النفاق وتقوم بقتل الأطفال الابرياء ، وافقادة بصره فيذهب إلي اجاممنون ولكنه لا يساعده مبرزا ً قيمه اخلاقية ومبدأ من مبادئ اليونانيين : لا يجب قتل صديق لعمل معروف لصديق آخر ، ويجب احترام الصداقة وحقوق الضيف وبالطبع قد انتهك بوليمستور هذه القيم والمبادئ الاخلاقية واستحق العقاب . وفي النهاية ينسحب بوليمستور بعد أن خسر القضية ضد هيكابي التي حالفتها العدالة ، وكل ما فعله أثناء انسحابة هو الهزيان بتنبؤات سيئة بخصوص مسخ هيكابي إلي كلبة ، وقتل كليتامنسترا لكساندرا ابنة هيكابي وعشيقة أجاممنون ، وبعد ذلك قتل اجاممنون نفسة . فيأمر أجاممنون بحمل هذا المجنون والإلقاء به في أي مكان مهجور ، كما أنه يعرض قوي الخير عند هيكابي فيكون الشر بداخلها كامن وغير نشط ، ولكن عندما يجد هذا الشر القوي المحركة له من ظلم أو اضطهاد أو استغلال أو قتل ، ينشط هذا الشر ويتحرك بدرجة قصوي لينتهي هذا الظلم أو ليثأر ولا يهدأ إلا بعد أن يري الإنسان المظلموم المعاناة الشدية لغريمة (1)*. و يظهر مدي المعاناة التي عانتها هيكابي فقد ذكرتلك المعاناة شبح بولدروس فيتحسر فيقول : يا للحسرة يا أماة : يا من رأيت بعد القصور الملكية يوم العبودية . كيف توازن بين عمق فرائك وقمة سرائك لابد أن أحد الآلهة قد أنزل عليك دمار بقدر معيار مجدك الغامر ، وكما يذكر في الابيات السابقة أنة ستري أمي جثتي ولديها جثتي وجثة إبنتها البائسة وذلك أنني مي أنال السكين قبرا ً . سوف أظهر امام قدمي خادمتها بين الامواج . فلقد رجوت آلهة الموت أن أقع بين يدي أمي و أن أنال قبرا ً وهذه الأبيات تبين شقاء هيكابي ومدي براعة يوربيديس في وصف الشقاء الذي شعرت به هيكابي في المسرحية . ولا شك أن الثروة قد لاعبت دورا مهما في أحداث المسرحية ، وخصوصا في الجزء الثاني الخاص بموت بوليدروس وانتقام هيكابي . فالثروة كانت الدافع الأساسي للجريمة ، ونشطت كسبب لانتهاك المبادئ الأخلاقية للعدالة والصداقة وكرم الضيافة وأيضا ً المبادئ الدينية . فالجشع وانتهاز الفرص – كقيم منافسة – قادت بوليمستور ليفضل الثروة علي القيم الأخلاقية للصداقة التي تعد أيضا ً قيمة تنافسية . فهنا نجد تدهورا أخلاقيا يبدأ بالجشع وعدم الشبع وينتهي بالدمار ، مثلما الحال مع كسركسيس في " الفرس " لاسخيلوس ، ولكن الوضع يختلف من حيث عدد ضحايا هذا السلوك السيئ ، فضحايا كسركسيس كانوا اليونانيين ، ولكن ضحايا بوليمستور كان الطفل البرئ بوليمدوروس . في بادئ الأمر الجشع وحب المال يعمي عقل بوليمسور ويقوده إلي احماقة ، فيقوم بارتكاب الخطيئة بقتل ابن صديقة الذي استضافة داخل منزله ، وبعد ذلك يأتي عقابه القاسي ودماره ، قتل أطفاله وفقده بصره وهكذا كان خطأه أنه اعتقد أن الثروة هي القوة والضمان الوحيد للأمان و السعادة ، ولم يعرف ان الثروة لا تكفي لضمان السعادة ، لأن القدر لدية القوة علي تغير كل شئ (2)* .



تعليقات

  1. How fair is it to say that Oedipus is morally guilty?Does he argue that he is morally innocent because he did not intend to do immoral deeds?Can it be said that he is guilty of hubris but that hubris has nothing to do with his fall?

    ردحذف
  2. هل عندكم اي كتابة أو المقالة أو كتاب عن هذه المسرحية، اريد للبحث عن هذه المسرحية، اريد مساعدة منكم، إن شاء الله. بريد الإلكتروني: hafeesbava786@gmail.com، هاتف: 918592069629+

    ردحذف

إرسال تعليق